قائد الطوفان قائد الطوفان

بين انتفاضتي "الحجارة" و"القدس".. ثورة موحّدة وظروف متباينة

الرسالة نت- محمد بلّور

نقش الذاكرة بكل تأكيد يفهمنا أن اليوم لا يشبه البارحة، فلم نعد نكتب بطلاء الدهان على الجدران (إضراب شامل.. مسيرات ومواجهات..)، وأصبحنا نكتب على (فيسبوك)، وكانت تحيات المتضامنين والثوار العرب تأتينا عبر الراديو لكن بعض العرب اليوم صافحوا العدو وسط القدس والتقطوا صور (سلفي).

وتتباين ظروف انطلاقة انتفاضة الحجارة عام (1987) مع ما يمكن أن نسميه الآن انتفاضة (تحرير القدس)، فشارة البدء ليست واحدة وان كانت الهبّة الأخيرة عربة في قطار انتفاضات متتالية ضد الاحتلال.

النفس الثوري الذي استمدت منه انتفاضة الحجارة روحها من (عرفات والشيخ ياسين وجميلة بوحيرد وفيدل كاسترو وشي جيفار) لم يعد هو ذاته في زمن التنسيق الأمني وفشل التسوية وانهيار الموقف العربي جنوحاً نحو (إسرائيل).

                                                                           النشأة والدوافع

ورغم أن انتفاضة الحجارة اندلعت بعد زيادة شعور الذل والمهانة في المخيمات والبلدات الفلسطينية وإن كانت حادثة استشهاد عمال مخيم جباليا (8-12-1987) هي عنوان الشرارة إلا أن انتفاضة تحرير القدس جاءت في مشهد سياسي وميداني مختلف.

ويقول د. أحمد رفيق عوض المحلل والكاتب السياسي: "إن انتفاضة الحجارة جسّدت انتفاضة الحقوق وتأكيد الحضور ورفع الصوت عالياً بينما انتفاضة تحرير القدس الحالية عنوانها العدوان على القدس ومنح أمريكا وأعوانها (إسرائيل) حق الاحتلال".

ويؤكد طلال عوكل المحلل السياسي أن الاحتلال في انتفاضة 1987 كانت مسيطر على كل الأرض المحتلة، وكان الشعب متداخلا أكثر بين أراضي (48 و67) في ظل غياب قدرات ومقاومة مؤثّرة للفصائل الفلسطينية.

ويضيف: "السبب العميق لاندلاع انتفاضة الحجارة هو التخلص من الاحتلال لكن حالياً انتفاضة تحرير القدس تحمل قضية أصبحت معروفة في كل العالم عن شعب محتل ومدينة لها خصوصية دولية".

وطالما كانت القدس عنواناً حاضراً بنسب متفاوتة في انتفاضة الحجارة وانتفاضة تحرير القدس فانتفاضة الحجارة حسب رؤية مصطفى الصواف المحلل السياسي كان هدفها رد الظلم والرغبة في الانصاف بينما الثانية عنوانها القدس جامعة اهتمام المسلمين وشعوب العرب.

                                                                            المشهد الفلسطيني

صحيح أننا أشعلنا الإطارات في الانتفاضتين (الحجارة وتحرير القدس) وغنينا مراراً (أناديكم.. وأشد على أياديكم..) لكننا اليوم لم نجد من يشّد على أيادينا من المؤسسة الرسمية الفلسطينية وقد تاه جزء فلسطيني في مسار التسوية فأضحى محبو (تشي جيفارا وفيدل كاستروا) خارج الوطن أقرب لفلسطين من المتشدقين بفكر الثورة من زمن (الشقيري وعرفات) وهم منهم براء.

وكانت انتفاضة الحجارة قد انطلقت والمؤسسة الرسمية التي تتحدث باسم الفلسطينيين هي منظمة التحرير الفلسطينية لكنها كانت تعيش ظروف شبه عزلة وحصار كامل من دول عربية ودولية.

ويؤكد المحلل عوض أن المنظمة مع بدء انتفاضة (1987) كانت خارج اهتمام العالم وهي الآن تعيش حالة تفكك وضعف أضعف الموقف الفلسطيني في القضية.

ومع أفول نجم انتفاضة الحجارة غادر بعض الثوار المقصورة وارتدوا قميصا إنجليزيا وحذاء إيطاليا ورشوا العطر الفرنسي الفاخر بسخاء وتعرفوا على الوقت من ساعة سويسرية زيادةً في الترف لكن آخرين غيبهم الاغتيال والسجن حتى ولد جيل جديد استخدم أدوات مؤثرة ضد الاحتلال وعانى من التنسيق الأمني ومازال.

بقاء الاحتلال كان المادة الدافعة لانطلاق انتفاضة الحجارة وصولاً إلى انتفاضة تحرير القدس حديثة الولادة وارتدادات وهبّات أخرى بين عامي (1987-2017) وروح المسألة أن فلسطين مازالت محتلة.

ويتابع عوكل: "في قمّة عمّان قبيل اندلاع انتفاضة الحجارة 1987 كان استقبال عرفات من قبل العرب باهتاً جداً وكان بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق في عهد جيمي كارتر مركّزا على تجفيف منابع دعم المنظمة بعد عام 1982 بينما الآن أضحت المنظمة أكثر شرعية وقبولا".

بقي أن الانقسام الذي أضرّ بالثورة والانتفاضة في كل وقت كانت سمة العمل الميداني والوطني جزئياً منذ انتفاضة الحجارة وحتى الانتفاضة الحالية لكن الظرف السياسي عزز من استفادة الاحتلال من الانقسام الذي لم يكن في انتفاضة الحجارة يتعدى الخلاف على تفاصيل عمل وتباين رؤى سياسية تكتيكية.

أدوات العمل الوطني في انتفاضة الحجارة كانت تقاوم الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة ولاحقاً ظهر الرصاص والبندقية لكن انتفاضة تحرير القدس جاءت بعد سنوات امتلكت فيها الفصائل قوة نارية.

الخط الفارق في الانقسام كان من بعد اتفاقية (أوسلو) وبدء تضرر بنية اللحمة الفلسطينية من وسط تسعينات القرن الماضي لكن المحلل السياسي الصوّاف لا يبدو محبطاً من ميلاد المصالحة مع بروز قيادات وطنية جديدة تستكمل النهج الوطني الذي مضى عليه عرفات وياسين وحبش والشقاقي.

                                                                        الموقف العربي والدولي

في شوارع المخيمات وعلى حدود الوطن يرددون مقولة الشهيد المناضل أبو إياد – في كتابه "فلسطيني بلا هوية": أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر"، يرفعون حواجبهم مترحمين على زمن مضى وقد تحققت النبوءة وهم يشاهدون الوفود العربية تخطب ودّ (إسرائيل).

الجمهور الفلسطيني الذي اكتسب الخبرة من انتفاضة الحجارة وصولاً إلى انتفاضة تحرير القدس يرى المحلل السياسي د.عوض أنه أصبح أكثر خبرةً وهو يشاهد تردي الموقف العربي وتباين الموقف الدولي من حوله.

ويضيف: "في انتفاضة 87 كان الجمهور أكثر تقشّفاً ولديه مبادرة ورغبة في التضحية باندفاع والعالم استقبل انتفاضته ودعمها لكن الآن خسرنا ذلك المظهر وأصبح الجمهور حذرا وثقيلا في حركته ولا ننسى ان هناك سلطة لا يمكن القفز عنها فيما ينتابه خيبة أمل وهو ينتفض من أجل القدس من موقف العرب".

ولا يبدو عوكل متشائماً من كامل الموقف العربي والدولي جملةً واحدة فقد تمكنت فلسطين من تسجيل عضوية في الأمم المتحدة ونالت اعتراف بعض الدول وارتفعت وتيرة التضامن الرسمية حتى أضحى الملف الفلسطيني ينال اهتمام السياسة والمؤسسات الدولية بامتياز.

ويتابع: "للأسف في المقابل الوضع العربي رديء وحتى بيان الجامعة العربية قبل يومين استغرق وقتا طويلا وخرج بعد مرحلة حذر فولد ضعيفاً.. الظرف مختلف فنحن في انتفاضة القدس الحالية متجهون نحو صراع مفتوح وسيبقى خطاب التسوية فقط للعلاقات العامة لأن المجتمع الدولي يفهم فلسطين من تلك الزاوية".

صحيح أن هبّة التضامن مع القدس ضد اعتراف (دونالد ترامب) الرئيس الأمريكي في العواصم العربية كانت أقل قوّة من سابق العهد لكن ضعف الصوت الشعبي جزئياً لا يعني رضى الشعوب حسب تأكيد الصواف والذي شدّد على اختلافه دوماً مع نظامه الرسمي الحاكم.

ويتابع:" الشعوب العربية تعاني ظلما وإجراما وبحاجة لإعادة إحياء موقفها، لم تصبهم حالة بلادة نحو القدس لا طبعاً فكل العرب يعتبرون القدس قضيتهم ولا يفرطون فيها".

ولعل انهيار الموقف العربي اللاهث خلف (إسرائيل) وارتفاع وتيرة الحديث عن سلاح المقاومة يؤكد أن أدوات انتفاضة الحجارة البسيطة التي قاوم بها الشعب الاحتلال لم تكن بذات الإزعاج والتأثير في زمن امتلاك الفصائل لأدوات قتالية أفضل.

البث المباشر