لقد انطلقت حماس في 14-12-1987 كامتداد طبيعي للعمل الإسلامي في فلسطين، بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، وكجزء لا يتجزأ من مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، ضد المحتل الصهيوني الغاصب، وقد شقت طريقها بثبات رغم التحديات والعقبات التي واجهتها داخليا وخارجيا، حيث لم يكن مرحبا بها كمنافس محتمل لبعض الحركات والفصائل الفلسطينية بسبب الحسابات السياسية الضيقة، كاعتبارات السيطرة والتحكم في الشارع والرأي العام الوطني الفلسطيني.
لقد شرف الله تعالى كاتب هذه السطور أن يكون شاهدا على هذه المرحلة وما تلاها وجنديا من جنود حماس قبل وأثناء وبعد هذه الانطلاقة المباركة، وفي مكان مميز، حيث شهد مخيم بلاطة الصمود وطيلة شهور العام 1987، أحداثا تاريخية مميزة، شارك فيها شباب الحركة الإسلامية في العمل النضالي قبل الانطلاقة المباركة لحماس وتحديدا في مظاهرة 29-11-1987 حيث سقط الجرحى من أبناء هذه الحركة احتجاجا على قرار التقسيم وبناء على قرار المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، والذي اتخذ في بيت الأستاذ المرحوم حسن القيق في أكتوبر 1987.
ثم شهد المخيم الشرارة الأولى لانتفاضة 1987 في الضفة الغربية، حيث كان شباب الإخوان مجربين وجاهزين للتصعيد، ففي يوم الجمعة 11-12-1987 وبعد خطبة "نضالية "من إمام المسجد، استعرض فيها الممارسات العدوانية لجنود الاحتلال داخل المخيم وعلى مدار شهور ضد أطفال ونساء وكل أبناء المخيم، والتي وصلت إلى حد التحرش اللفظي بنساء المخيم، فانطلقت المواجهات العنيفة حيث استشهد ثلاثة وجرح أكثر من 25 آخرين، مما اعتبر مجزرة بمصطلحات تلك المرحلة.
يعتبر تقدم حماس سريعا ومميزا نحو أهدافها في إقامة حركة إسلامية وطنية مقاومة تقارع الاحتلال الصهيوني الغاصب متعالية على كل جراحها، وتآمر المتآمرين عليها، فتقدمت وتطورت على كل الأصعدة النضالية والجهادية والسياسية والتنظيمية، وقد فاجأ ذلك الجميع وأدركوا أنهم أمام ظاهرة إيمانية وحركة وطنية متميزة، سيكون لها مستقبل واعد ودور مركزي في عملية التحرير الوطني الفلسطيني.
فعلى الصعيد الجهادي والنضالي تبنت حماس أسلحة المرحلة بل وعملت على تطويرها، فبدأت بالحجارة حيث كان ذلك سلاح الانتفاضة الأبرز في أسابيعها الأولى ثم انتقلت إلى استخدام الزجاجات الحارقة والملوتوف في أشهرها الأولى ثم العبوات الناسفة المصنعة يدويا، وقدمت أثناء ذلك الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، فغدت واقعا نضاليا لا يمكن لأحد كائنا من كان أن يتجاوزه. لقد تطورت حماس لا بسبب دعم هذا الطرف أو ذاك لها بل رغم العقبات التي وضعها القاصي والداني أمامها فهي بهذا معتادة وجاهزة للتحديات المستمرة حتى يومنا هذا.
فقد أنشأت حماس القسام كذراعها العسكري المتقدم ثم طورت سلاح الاستشهاديين المتميز والذي هز أركان العدو الصهيوني ثم قامت بصناعة الصواريخ العابرة للحدود ثم الأنفاق الدفاعية والهجومية ما اعتبره العدو تهديدا استراتيجيا لنظريات أمنه القومي. أما من الناحية السياسية والفكرية فقد أظهرت حماس قدرا عاليا من الوعي والفهم والمرونة السياسية، بما لا يخالف مبادئ وتعاليم وأسس ديننا الإسلامي العظيم، وضمن الاجتهاد الوسطي والمعتدل الذي قاده ونشره مفكرو الإخوان المسلمين في فلسطين والعالم، الأمر الذي مكنها من التعامل مع التغيرات والتطورات بنجاح واضح، فكان ميثاق حماس الأول والرائد ثم وثيقتها السياسية الأخيرة كأحد أهم ذروات التطور الفكري والسياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وهكذا تمر ذكرى الانطلاقة والأمة العربية والإسلامية تعاني من أوضاع صعبة ومؤلمة والشعب الفلسطيني يعيش مرحلة صعبة من مراحل نضاله الوطني بل ومن حالة من التناقض العجيب والمؤسف في مواقف بعض قادة حركته الوطنية العريقة، فحالة القمع والإرهاب في الضفة وحالة الحصار المستمر في غزة ثم تحدي وقاحة إعلان ترامب المشؤوم ضد القدس، ولكن حماس ما زالت ثابتة على مبادئها وثوابتها الوطنية والإسلامية في تعزيز الوحدة الوطنية ومبادرة المصالحة المتميزة وتقديم العام على الخاص والاستمرار في معركة بناء قدرات المقاومة بكل أشكالها حتى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.