قائمة الموقع

أفراح قابلة للاشتعال والسر "بالونات الهيليوم"

2017-12-21T10:40:12+02:00
صورة
غزة-رشا فرحات

فجأة وبدون مقدمات، دوى صوت انفجار إثر اشتعال "بالون هيليوم" اقتناه شاب غزي من محل لبيع الهدايا بغرض الاحتفال بمناسبة خاصة لديه، مما آثار الفضول عن سبب هذا الانفجار المباغت، وعما سيكون عليه الحال لو كان عدد البالونات أكثر، لاسيما أنها شائعة الاستخدام في قطاع غزة المحاصر.

وبعدما استمعت معدة التحقيق لتفاصيل حادثة الانفجار من الشاب نفسه، قررت البحث والتحري عن معلومات تفسر سر انفجار البالون فتبين أنه معبأ بغاز الهيدروجين المصنع محلياً نظراً لتكلفته الأقل مقارنة بتكلفة البالون المعبأ بالهيليوم الآمن التي لا تقل عن خمسة شواكل، وفق أصحاب الشركات الموردة للغاز.

ومما أثار الشكوك ملاحظة معدة التحقيق انخفاض أسعار البالونات المعبأة بالغاز في محلات الهدايا، حيث وصل سعر البالون لشيكل واحد فقط، فكيف يمكن أن تبيعه بعض محلات الهدايا بهذا السعر المنخفض؟!.

وهنا ذهبت معدة التحقيق برفقة فريق العمل لشراء بالونات معبأة بالغاز من أحد المحلات التجارية التي تعرضها بسعر منخفض، وراقبت طريقة البائع في تعبئة البالونات، حيث أخرج جرة صغيرة بوزن خمس كيلو، كانت مخزنة لديه داخل محله التجاري، وخرج بها إلى الرصيف المقابل لمحاله التجاري وشرع بتعبئة البالونات!

وفور استلام البالونات، قرر فريق الرسالة التوجه إلى منطقة خالية لتعريض البالونات للنار، وهنا انفجرت فور اقتراب شرارة الكبريت منها، مخلفة صوت انفجار مثير للرعب والتساؤل، فتأكد فريق الرسالة بأن البالونات معبأة بغاز مشتعل بدلا من غاز الهيليوم الآمن، والغاز المشتعل الوحيد القابل للطيران بالإضافة إلى الهيليوم، هو غاز الهيدروجين سريع الاشتعال والانفجار.

مصنع محلياً

وخلال البحث للحصول على معلومات أكثر، توصلت معدة التحقيق إلى "أ. س"، وهو أحد المصنعين للهيدروجين، حيث رفض التصوير وذكر اسمه في التحقيق، منكرا في مكالمة مع "الرسالة" أنه يبيع الهيدروجين، مقراً بذات الوقت بقدرته على تصنيعه نظراً لدراسته للكيمياء، مبيناً أن تصنيعه يتم بغاية السهولة، وتابع أنه "يقوم على تصنيع جهاز خاص بصناعة الهيدروجين ويمكنه أن يصنعه وبيعه حسب الطلب".

وأكد أن هناك الكثير من المصنعين ممن يبيعون الهيدروجين للمحلات التجارية، مضيفا أن "هناك قدرة على صناعة جميع أنواع الغازات في قطاع غزة من الغازات المحرمة دولياً حتى الغازات البسيطة"، على حد قوله.

ولم ينكر "أ.س" محاولته تصنيع الهيدروجين عدة مرات، وقد حدث أن انفجر في إحدى المرات، متسبباً له بإصابة وصفها بأنها "بسيطة"، ما جعله يقلع عن صناعته نظراً لخطورته، وأن تخزينه قد يسبب كارثة كبيرة.

الكردي: لا أستبعد استخدامه فسعره أرخص من "الهيليوم"

وعرض "أ.س" على "الرسالة" أن يدلها على أكثر من شخص يصنع الهيدروجين وتعبئته في بالونات حسب الطلب، مؤكدا أن المواطن يشتري البالونات دون أن يعلم بأنها معبأة بالهيدروجين، منوها بأنه أخطر بمائة ضعف من غاز الطهي، "فهو يشتعل بسهولة فور تعرضه لأي شرارة، وتخزين كميات كبيرة في محلات الهدايا يمكن أن يسبب كارثة".

وهنا توجهت "الرسالة" إلى ذات المتجر الذي ابتاعت منه بالونات معبئة بالهيدروجين فتفاجأت أن صاحب المتجر لا يعلم أن الأسطوانات الموجودة لديه معبأة بالهيدروجين، علما انه اشترى عشر أسطوانات للتخزين من أحد التجار، وأخبرنا أن هذه هي المرة الأولى التي يعلم بذلك وعلمنا لاحقا أنه قام بتبليغ الدفاع المدني الذي عمل على مصادرة هذه الأسطوانات والتخلص منها.

خطورة بالغة

ويؤكد الدكتور سعيد الكردي أستاذ الكيمياء في الجامعة الإسلامية خطورة صناعة الهيدروجين في قطاع غزة، مبيناً أن صناعته ليست أمراً مستحيلاً رغم انه يحتاج لمعايير ومحاذير علمية، مضيفاً أنه لم يسمع مسبقاً عن تصنيعه محليا لأغراض تجارية.

ونوه لعدم المقدرة على التفرقة بين غاز الهيدروجين والهيليوم الآمن إلا عن طريق الاشتعال الذي يمكنه أن يتسبب بكارثة، وتابع أن "الهيليوم سعره مرتفع مقارنة بالهيدروجين، كما أن الهيليوم لا يمكن أن يصنع محليا"، مؤكدا أنه غاز متفق على استخدامه دولياً في تعبئة بالونات الحفلات.

وأوضح د. الكردي في حديث للرسالة، أن سعر اسطوانة الهيليوم كبيرة الحجم يتفاوت من 3000 إلى 4000 شيكل، وهذا يتناقض مع عرض أحد محلات الهدايا حيث كان يعرض أنبوبة غاز الهيليوم بخمسين شيكل، وهو ما أثار استغراب معدة التحقيق أثناء البحث.

الدفاع المدني

وتبين للرسالة تشتت مسؤولية متابعة هذا الأمر ما بين جهاز الدفاع المدني ووزارة الاقتصاد، فتوجهت إلى الدفاع المدني أولاً للوقوف على دوره في ضبط هذه الحالة، وتحدثت إلى الدكتور محمد العطار نائب مدير الجهاز الذي أكد في بداية حديثه أنه لم يمر على الدفاع المدني أي حالة تضررت بسبب انفجار بالونات بغاز الهيدروجين، مؤكدا أن الدفاع المدني له دور في البحث عن الأمن والسلامة في المشاريع التجارية والسياحية.

"الرسالة" تكشف استخدام "الهيدروجين" في محلات لبيع الهدايا

وشاركنا الحديث العقيد زهدي الشوبكي من شؤون العمليات والطوارئ في الدفاع المدني، حيث أكد للرسالة عدم وصول أي شكوى من هذا النوع أو حالات انفجار، ولكنه كشف في سياق حديثه وفي إطار التفتيش الدائم للدفاع المدني في المنشآت التجارية عن اكتشافه لحالة أو حالتين وصفها بأنها فردية، وتقوم على تصنيع الهيدروجين وتم التعامل معهما، على حد تعبيره.

ولفت إلى أن المشكلة تكمن في أن إنتاج الهيدروجين لا يتم في محلات الألعاب، وأن الذهاب للتفتيش لا يدل على مكان التصنيع، على حد قوله، "لأن التصنيع يتم في أماكن سرية وبعيدة".

وفي السياق ذاته، يقر محمد أبو جلمبو مدير الأمن والسلامة في الدفاع المدني جهل المواطن بخصوص هذا الأمر، و"يجوز أن يكون هناك جهل لدى البائع"، مضيفا: "لا أتوقع أصلاً أن البائع يعلم بحقيقة الموجود في الأسطوانة التي يعبئ منها البالونات، فهو اشتراها من البائع لأنها أرخص من ثمن الهيليوم الذي تبيعه الشركات الموردة، دون أن يعلم أنها معبأة بغاز الهيدروجين الخطير والقابل للاشتعال".

وأوضح أن هناك ميزة للهيدروجين تشجع على بيعه وتجارته، فهو أخف بأربعة عشر درجة من الهيليوم، وهذا يساعد في طيران أفضل من الهيليوم ولكنه مشتعل بسرعة وسريع الانتشار أيضاً، فلو استخدم عشرون بالون في حفلة ستحدث كارثة حقيقية إذا تعرضت لأي شرارة.

ضبط حالات

ومع أن أبو جلمبو أخبرنا في بداية حديثه عن عدم وجود حالات تصنع الهيدروجين إلا أنه أكد أن الدفاع المدني استطاع ضبط حالة أو حالتين، على حد تعبيره، دون أن يبادر بسؤال فريق الرسالة عن اسم المتجر الذي اشترى منه بالونات الهيدروجين!.

وعن إمكانية عمل مصنعي الهيدروجين بضوابط قانونية، نوه أبو جلمبو لاستحالة ذلك "لأن تخزينه وتصنيعه ممنوع وحتى خبراء الغازات لا يجوز لهم ذلك لخطورة الأمر، وللظروف الأمنية الخطيرة التي يعيشها قطاع غزة".

مصنِّع: أستطيع تصنيع كل أنواع الغازات في غزة

وفي سياق حديثه، أكد أبو جلمبو على صعوبة دخول الهيدروجين إلى قطاع غزة، مؤكدا أن الهيليوم يدخل إلى غزة ولكنه مرتفع الثمن، موضحا أن أرخص أسطوانة هيليوم ثمنها 1700 شيكل للأسطوانة الكبيرة، مستنكرا بيع الأسطوانة الصغيرة من بعض المحلات بسعر 50 شيكل ولم يستبعد أن تكون معبأة بهيدروجين دون علم التاجر!

ولم يستغرب أو يستبعد تصنيع الهيدروجين لأنه على حد تعبيره يصنع بأدوات بسيطة جداً، بل وبمدة لا تستغرق خمس دقائق، وأحياناً يعتقد المصنع أنه ينتج غاز الهيليوم وليس غاز الهيدروجين، و"لقد تم بالفعل ضبط عدد من الحالات اتجهت نحو استخدام هذه الصناعة كحرفة".

مسؤولية مشتركة

وعن مسؤولية الدفاع المدني في التوعية، أضاف أبو جلمبو أنه وفي هذه الحالة يجب أن تكون المسؤولية مشتركة بين الاقتصاد والدفاع المدني حسب نوعية المشكلة، منوها أن هناك ما يسمى بلجان الأمن والسلامة في المحافظات، مضيفاً: "نحن نتدخل في التفتيش على الحرف والمشاريع التجارية إذا لزم الأمر وكانت لنا علاقة بالموضوع".

وفي ذات السياق، أوضح الشوبكي أن هناك خطة زمنية للتفتيش وفق الإمكانيات والمخرجات والمعلومات المطروحة لديهم، موضحا أن هذه المشاكل يتم التعامل معها حسب الأصول، بحيث تبدأ من اعتماد الحرفة إذا كانت سليمة والبدء بإخطارها إذا كانت مخالفة وتوضيح أسباب المخالفات.

وأكد أنه وفي حالة عدم التزام صاحب الحرفة تقدم أوراقه للنيابة، ويمكن أن تنتهي بإغلاق المنشأة التجارية، مؤكدا على أن المنشآت والحرف مصنفة حسب الخطورة، مرتفعة الخطورة أو قليلة أو متوسطة الخطورة، لافتاً أنه "وفي محلات بيع الهدايا لا يخطر ببال الدفاع المدني أن يكون هناك خطورة"، وفق قوله.

وعن طريقة التعامل مع هذه الحالات، يقول الشوبكي: "إذا تم ضبط هيدروجين في المحلات أو أنابيب هيدروجين فإنه سيتم إخطار أصحابها ومخالفتهم ثم سيعود الدفاع المدني للتفتيش مرة أخرى حسب الخطة الزمنية التي يمكن أن تتغير حسب خطورة الأمر"، منوهاً أن التفتيش يعتمد على المواسم ودرجة خطورة المنشاة، "فشركة بيع الغازات تختلف خطورتها عن محل لبيع الهدايا".

إمكانيات قليلة

وكان لابد لمعدة التحقيق التوجه إلى دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، فقابلت رائد الجزار مدير الدائرة الذي تفاجأ بالمعلومة، وأبدى استغرابه منها، وأكد أنه لا يوجد بين المفتشين والعاملين في الرقابة التابعة للوزارة من هو مؤهل للتفتيش فيما يخص تجارة الغازات أو استخدامها في محلات الهدايا، "فمعظم العاملين في الوزارة مختصون بالتفتيش في قضايا الغذاء والتموين"، مقراً بمسؤولية الوزارة عن التفتيش في كل ما يخص التجارة والبيع، مشدداً على عدم علمها بهكذا قضية.

وإذا كانت وزارة الاقتصاد ليس لديها مؤهلين في رقابة تجارة الغازات، فعلى من تقع مسؤولية الرقابة على شركات الغاز الكبرى المستوردة للغازات والتي تبيعها، وهنا اعترف الجزار بأن "وزارة الاقتصاد لا تراقب هذه الشركات لعدم وجود مختصين لديها في رقابة هذه التجارة".

وفي ذات السياق، نوه الجزار إلى أن الرقابة قد تلجأ في بعض الحالات للاستعانة بمختصين من الدفاع المدني لغرض حل هذه القضية، مستدلا على تعاون سابق بينهما فيما يخص قضية توزيع غاز الطهي، مرحباً بالتعاون القريب لحل قضية بيع الهيدروجين في محلات الهدايا.

أبو جلمبو: تم ضبط أشخاص يعملون على صناعة الهيدروجين

ورغم لجوء معدة التحقيق إلى الدفاع المدني، وإلى دائرة الرقابة والتفتيش، وإقرارهم بمسؤوليتهم المشتركة أو الجزئية تجاه مثل هذه الحوادث لو تمت، والكشف عنها ومحاسبة تجار الهيدروجين والتفتيش في المحلات التجارية التي تبيع البالونات للتأكد من انها معبأة بالهيليوم، واستماعهم إلى قصة معدة التحقيق واكتشافها لأحد المحال التجارية التي تبيع الهيدروجين، بل وتواصلها مع مصنعين لأجهزة خاصة تعمل على إنتاج الهيدروجين؛ إلا إنها فوجئت بأن أيا منهما لم يسألها عن اسم المحل التجاري الذي يبيع الهيدروجين أو الأشخاص المصنعين له!.

وقد لاحظت الرسالة من خلال إعدادها للتحقيق عدم وجود رقابة صارمة على الشركات الموردة للغازات، ما يثير الاستهجان، ويدفعنا للمطالبة برقابة أكبر وتحرك مشترك بين الدفاع المدني ووزارة الاقتصاد، حتى لا يتحول الموضوع إلى كارثة حقيقية.

اخبار ذات صلة