ما تزال تداعيات قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تتصاعد خاصة فيما يتعلق بالتحدي الكبير الذي شكله القرار بالنسبة للإدارة الامريكية التي وجدت نفسها معزولة وفي مواجهة مع الإرادة الدولية فيما يتعلق بالقدس.
وقد بدأت المطالبات تتصاعد بالبناء على القرار من الجانب الفلسطيني واستثماره قانونياً وسياسياً ودولياً، لإلزام الولايات المتحدة بالتراجع عن قرار اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة عصام يونس أكد أن القرار ينطوي على دلالات مثيرة وجب التأمل فيها، لجهة ما ورد فيه من نصوص وكذلك الآلية التي عقدت بموجبها جلسة الجمعية العامة والتي نادرا ما التأمت منذ نشأتها وعلى مدى تاريخها في مواجهة الاختلال الخطير الذي رافق سلوك الإدارة الأمريكية في إدارة موقفها من القرار في علاقتها بدول العالم ومؤسساته الدولية.
وقال يونس خلال جلسة حوارية حول دلالات قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس نظمتها شبكة المنظمات الأهلية بمشاركة عدد من الحقوقيين والمختصين في القانون الدولي والإنساني، إن القرار رغم كونه غير ملزم إلا أنه يمكن البناء عليه لتشكيل حماية للمواطنين الفلسطينيين والمدنيين من جرائم الاحتلال.
وتحدث يونس عن تسع دلالات مهمة للقرار:
أولا: أعاد القرار التأكيد على ثلاث قضايا أساسية، أولها على المركز القانوني للقدس بصفتها أرضا محتلة وبأنها جزء من الأراضي المحتلة وثانيها، رفع المشروعية القانونية والسياسية والأخلاقية عن كل القرارات والاجراءات والتدابير التي اتخذتها دولة الاحتلال على مدى نصف قرن، هو عمر احتلالها حتى تاريخ القرار، وثالثها بأن قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها غير قانوني ومخالف لقرارات مجلس الامن والشرعية الدولية، ودعا جميع الدول إلى الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس.
ثانيا: نتيجة التصويت قد تسببت في عزل موقف الولايات المتحدة ومعها دولة الاحتلال وأظهرهما بمظهر المخالف للإرادة الدولية لاسيما وأن كثيرا من حلفاء الولايات المتحدة التقليديين قد صوتوا لصالح القرار.
ثالثا: عُقدت جلسة الجمعية العامة وفقا لقرارها رقم ٣٧٧ للعام ١٩٥٠ والمعنون "متحدون من اجل السلام"، وهي التي لم تنعقد سوى عشر مرات منذ نشأتها حتى اليوم بموجب هذا القرار، حيث تنعقد الجمعية العامة إذا فشل مجلس الامن في تأمين اجماع بين أعضائه للقيام بدوره في حفظ الامن والسلم الدوليين وهو ما يعني ان قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها ومن ثم استخدام الفيتو في مجلس الأمن، يمثل ابتداء تهديدا للأمن والسلم الدوليين كما ورد في ميثاق الامم المتحدة لذا فقرار الجمعية العامة يحتل قيمة قانونية وأخلاقية كبيرة.
رابعا: من الملفت تصويت اوروبا، ولاسيما اللاعبين الكبار كالمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، والذي حمل في طياته دلالات هامة. وهو ما يتطلب إعادة الاعتبار للعلاقة المختلة مع اوروبا وتصحيح الخطيئة السابقة التي ارتكبها الفلسطينيون عندما وضعوا كل اوراق العملية التفاوضية في يد الولايات المتحدة، خصوصا ان هناك اختلافات وتناقضات بائنة بين اوروبا والولايات المتحدة في كثير من العلاقات البينية وكذلك ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
خامسا: على الرغم من أن القرار قد أظهر المركز القانوني للقدس من جهة وعزل الموقف الامريكي من جهة ثانية، إلا انه يجب أن يدفع الفلسطينيين للعمل فورا على البحث في كل السبل لحماية سكان القدس المدنيين المحميين بموجب قواعد القانون الدولي وممتلكاتهم.
سادسا: لابد من تحصين قرار الجمعية العامة بتحصين مواقف الدول نفسها من قرار الجمعية العامة، من خلال المؤسسات الاقليمية التي تنتمي اليها وهي التي تتميز بقوة الالتزامات القانونية لقراراتها وأولها جامعة الدول العربية ومؤسسات الاتحاد الاوربي ومنظمة الوحدة الافريقية ومنظمة دول امريكا اللاتينية وذلك بتبنيها لقرارات تؤكد على جوهر ما ورد في قرار الجمعية العامة نفسها.
سابعا: لم يعد ممكنا ان يواصل الفلسطينيون التعامل على أرضية رد الفعل في قضاياهم الكبرى وهو ما يجب تجاوزه لما تركه من انكشاف خطير وهشاشة أضعفته وسلبته ممكنات أي فعل حقيقي وجعلته عرضة لأي تطور في الاقليم أو في أي مكان.
ثامنا: ان أي اشتباك سياسي وقانوني لن يكون مجديا والانقسام الداخلي قائما، ما يجب ان يؤسس على التوافق السياسي واعادة الاعتبار للمشروع الوطني والحقوق الاصيلة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
تاسعا: منذ أن ضرب الاقليم ما سمي بالربيع العربي، تراجعت أولويات العالم لصالح قضايا اقليمية أخرى كسوريا واليمن ولأخرى دولية كأوكرانيا والقرم وربما حدود المكسيك، وغني عن القول بأنه ومنذ أن تولت الادارة الجديدة للولايات المتحدة مقاليد الحكم وهي تسعى لخلق قواعد لعبة جديدة وقلب قواعد الشرعية والقانون الدولي رأسا على عقب.