"سأعلن الحرب العالمية الثالثة"، "الحياة أمل"، "نص العمر حلم والباقي ضياع"، وغيرها من العبارات المتناقضة المرصوصة بجانب بعضها على كتل إسمنتية كبيرة في ميناء غزة يخطها الشبان الغزيون، معبرين عما يجول بصدورهم من فرح وألم على حد سواء.
في السابق خاصة بالانتفاضتين الأولى والثانية كانت الجدران حكراً على رجال المقاومة يكتبون ما يريدون إيصاله للجمهور من بطولاتهم أو إعلان الفصائل لفعالية معينة أو إضراب، ونعي الشهداء، عدا عن تهديداتهم للاحتلال عند انتهاكه لحقوق الفلسطينيين، بالإضافة إلى أنها كان ومازال يكتب عليها التهاني بالأفراح والعودة من الحج أو الخروج من سجون الاحتلال، إذ يستغلها الأهالي للتعبير عن فرحتهم.
مؤخراً أصبحت تلك الكتل الإسمنتية في الأماكن العامة وخاصة في ميناء غزة، لوحة ينقش عليها المارون بالخربشة ما يعبر عنهم، فمنهم من يكتب عن الحب وآخر يعلن الحرب، وثالث يكتب جملة لتبقى له ذكرى حتى يعود من غربته التي قد تمتد لأكثر من عشر سنوات.
وكما الكتابة هناك من يعبر عن مشاعره بالرسم، فنجد خلف كل رسمة أو جملة حكاية لا يعرفها سوى من كتبها أو رسمها، وبعض العبارات المكتوبة يسعى أصحابها لجذب الانتباه وإثارة الفضول لدى القارئ.
موجة الرسم والكتابة أوجدت بعض المبادرات الشبابية لتشجيع رسم الشباب على تلك الصخور الإسمنتية حول فكرة معينة كالبطالة والحرية وغيرها من القضايا التي تهمهم.
بعد تلك الرسومات والجمل الملونة المتناقضة تحولت صخور ميناء غزة البحري من اللون الرمادي إلى لوحة فنية تشبه قوس قزح بألوانه الزاهية.
خلال وجود "الرسالة" في ميناء غزة تجرأ أحد الشباب وهو "اسماعيل" - اسم مستعار- للحديث عن الصخرة التي يجلس عليها بعدما خط عبارة "تتزوجيني"، يقول:" كتبتها لأعود إليها بعد عام عند ارتباطي بقريبتي التي تعيش بالخارج"، متأملا أن تصل القطاع صيف هذا العام.
وليست المرة الأولى التي يكتب فيها "اسماعيل" 23 عاما- على الجدران، فهو يتخذ تلك العادة منذ أن كان صغيرا فكلما تمكن من الحصول على "بخاخ البوية" يكتب ويرسم لكن بطريقته البسيطة.
جدران الميناء ليس حكرا على الشباب فحسب، فالفتيات أيضا لهن نصيب في الكتابة والرسم، لكن بنسبة قليلة، فتجد إحداهن ترسم وردة أو فتاة ملامحها غير واضحة تعبيرا عن الحالة التي تعيشها، وأخرى تكتب "سأواصل تحقيق حلمي" وذيلت تعليقها باسمها الأول "أسيل" باليوم والتاريخ والساعة، فربما كغيرها تسعى للعودة إلى الصخرة لتروي لها بعد عام تحقيق ما سعت إليه.
ويفسر درداح الشاعر الاختصاصي بعلم النفس ما يخطه الشباب على الصخور الإسمنتية بأنه يسمى بالمنهج الاسقاطي، موضحا أن كل شاب يحاول إسقاط ما بداخله من أحوال شعورية وأحلام على تلك الصخور.
ويحكي "للرسالة" أنه في بعض الأحيان يخشى الشباب مواجهة مجتمعهم بأفكارهم فينصرفون إلى ذاتهم بالرسم والكتابة عما يدور في داخلهم على الجدران في الأماكن العامة، خاصة إلى البحر كونه بعيداً عن المجتمع مما يتيح لهم المجال للتعبير بطريقة تتناسب معهم.
وعن مضمون العبارات والرسوم، يقول الشاعر:" كل جملة تعبر عن أنماط التربية التي مر بها الشباب فمن يستخدم الالفاظ النابية يعبر عن بيئته، بينما من يكتب عن شئ معين فهو يوحي بحاجته له كالزواج والهجرة".
وبين أن اللجوء إلى الجدران يعد وسيلة ليخرج الشباب ما يدور في داخلهم من مشاعر مؤلمة أو مفرحة، بالإضافة إلى أن الشباب لا يجدون مكانا للتخفيف من انفعالاتهم.