استقبل الفلسطينيون في مدينة بيت لحم بطريرك الكنيسة الارثوذكسية "ثيوفيلوس" على طريقتهم الخاصة التي تليق بمواقفه الأخيرة اتجاه كنيستهم، وذلك عبر رشقه بالأحذية والبيض، مرددين هتاف "المهد لا يستقبل الخونة".
مشهد الإهانة للرجل المتهم بتسريب أموال الوقف الكنسي لليهود، لم يدم طويلاً، فسرعان ما تراجع رئيس السلطة محمود عباس عن قراره بعدم المشاركة في احتفالات الكنيسة، واتجه لـ"جبران" خاطره، كما يتهكم عليه مسؤولون في حماية الوقف الكنسي، ممن يقفون في مواجهة البطريرك اليوناني وسياساته اتجاه الوقف الكنسي.
فمنذ وصوله إلى سدة البطريركية عام 2005، تورط " ثيوفيلوس" بعدد من الصفقات الخطيرة التي باع بموجبها العديد من أملاك الوقف الكنسي، بل وتجاوزها لبيع أملاك إسلامية ملاصقة بأملاك مسيحية في مدينة القدس المحتلة، وفقاً لما كشف عنه عزام الخطيب ممثل الأوقاف في المدينة.
ولم تستغرب الأوساط المسيحية موقف عباس من حماية البطريرك، فهو أساسا من وفر له الحماية السياسية والقانونية إضافة لجهات أردنية، وحالت دون ملاحقته ومسائلته عن عمليات البيع والايجار طويلة الأمد التي تورط فيها، طبقا لما تحدث به مسؤولون في الوقف الكنسي للرسالة.
أكثر من 400 ألف دونم تقريبا تعرضت للقرصنة والسلب، في عهد "ثيوفيليوس" إضافة لتهديده رجال الدين المسيحيين الوطنيين من أمثال عطا الله حنا ومانويل مسلم، وتجريدهم من حقوقهم الوظيفية والكنسية، وابعاد الشخصيات الفلسطينية تماما من "المجمع المقدس" الذي يضم في مجمله أساقفة يونانيين.
وبدأت عملية البيع في عهد البطريرك اليوناني السابق ايرينيوس راعي الكنيسة الارثوذكسية، والذي توفي عام 2004، وكانت أبرز صفقاته بيع "باب الخليل" القديم (للإسرائيليين)، إضافة لعقد صفقات أخرى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه لسرقة ختم ايرينيوس عندما كان على فراش الموت، لتوقيع المزيد من الصفقات.
واستمرت صفقات البيع في عهد البطريرك اليوناني الجديد ثيوفيلوس الثالث منذ وصوله إلى سدة البطريركية اليونانية، في آب 2005، حيث جرى تعيينه وتنصيبه باختيار البطاركة اليونان، في الأردن، وبمباركة من الملك الأردني والرئيس محمود عباس، بحسب الأصول القانونية المتفق عليها، واستمر هو الآخر بصفقات البيع والايجار لصالح جهات (إسرائيلية)، في وقت تؤكد فيه جهات كنسية بأنه لا يوجد في عرف الكنيسة ما يتيح للبطاركة معاقبة أو مساءلة البطريرك المعين.
ويقدر عدد الصفقات التي ابرمت بين الكنيسة والاحتلال (الإسرائيلي) بحوالي 22 صفقة، خسرت الكنسية بموجبها ما يزيد عن 400 ألف دونم، ومواقع أثرية كاملة أشهرها المدرج الروماني في سبسطية الروم وباب الخليل، مقابل ثمن بخس لم يزد عن مئة مليون دولار.
وبدأت عمليات البيع بما يعرف بصفقة أرض هداسا، والتي كلف بها محامٍ لم تُعرف الجهة المفوضة له حتى هذه اللحظة، وبدأت هذه الصفقة في عهد البطريرك السابق، وتبع ذلك صفقات بيع عدة داخل مناطق ال 48 وما عرف من هذه الصفقات أقل مما حصل في الواقع وذلك وفقا لتصريحات بعض الرهبان اليونان المطلعين، بحسب أليف صباغ عضو المجلس الأرثوذكسي في فلسطين.
وبحسب صباغ، فإن "ثيوفيليوس" استغلّ غياب السيطرة الفلسطينية في الداخل المحتل، ليتورط بعمليات بيع وايجار في تلك المناطق، كان أبرزها صفقة قيسارية التي باع بموجبها أقدم مدرج روماني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبيّن صباغ في حديث لـ"الرسالة" وجود اتفاق أردني فلسطيني مع البطريرك ثيوفيلوس، على ألا يتدخلوا في أي صفقة يجريها داخل (إسرائيل).
وأوضح أن البطريرك متورط في صفقات عديدة باع وأجّر بموجبها العشرات من المقرات الكنسية، متهمًا إياه بإقامة استثمارات مع هيئات سياسية مختلفة بغية ضمان بقائه ممثلاً للكنيسة، مشيراً إلى أن السلطات الأردنية والفلسطينية تتذرعان بعجزهما عن محاسبة الكنيسة في صفقات الداخل المحتل، "ومع ذلك فقد عقدت صفقات مختلفة داخل الأراضي التي احتلت عام 67، ولا يوجد أي تدخل من كلتا السلطتين لمواجهتها".
ولفت صباغ إلى وجود قرار لدى البطريركية اليونانية، بعلم وموافقة ضمنية من اللجنة الملكية لشؤون الكنائس في الأردن، ومن اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس في السلطة الفلسطينية، بأن يتم بيع الأوقاف المؤجرة لـ(إسرائيل) بيعا تاما.
تهريب أموال
من جهته، كشف عدي بجالي عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي في الأردن وفلسطين، عن تهريب أموال العقارات التي باعتها الكنيسة الأرثوذكسية في مدينة القدس المحتلة لجهات (إسرائيلية) في الخارج، مبيناً أن ما يقارب 2000 دونم باعتها الكنيسة الأرثوذكسية خلال الأشهر الأخيرة للاحتلال، مؤكدًا على أن البطريركية تبيع تراث وتاريخ ومواقع دينية وكنسية وعمرانية".
وقال بجالي: "البطريركية تبيع هذه الأوقاف للكيان (الإسرائيلي) ومؤسساته الاستيطانية بإفراط شديد ودون أي ضمير"، مضيفًا أن "المقابل بخس جدًا إذا ما قيس بأهمية هذه العقارات شرائيًا وسياسيًا".
وأشار إلى أنه "منذ عام 2000 كانت هناك عدة محاولات لبيع العقارات والممتلكات الوقفية لصالح الاحتلال كما بيعت يافا وطبريا والرملة من خلال تغيير ملكية الطابو من البطريركية إلى شركات خلف البحار لا يعرف أصلها من فصلها"، وفق تعبيره.