حصلت وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة على وثيقة سرية لقرار محكمة أوكرانية تشرح فيه كيف اختلس الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش 1.5 مليار دولار قبل الإطاحة به عام 2013.
وكشف أمر المحكمة تفاصيل عن شبكة الشركات المتداخلة التي استخدمت لسرقة المال، وذكرت بالاسم إنفيستمنت كابيتال يوكرين (آي.سي.يو) التي كانت الوسيط الذي اشترى السندات الصادرة عن شركات قبرصية بين عامي 2012 و2014 بقيمة 1.5 مليار دولار.
وكشفت الوثيقة أن لدى مؤسسة آي.سي.يو ارتباطات بالحكومة الحالية، حيث قدمت المشورة للملياردير الرئيس الحالي بيترو بوروشينكو بخصوص بيع شركة الحلويات التابعة له واسمها "روشين".
وخلال فترة احتيال يوشينكو، كانت المؤسسة المالية تدار من قبل محافظة البنك المركزي الأوكراني فاليريا غونتاريفا، الحليفة المقربة من الرئيس الحالي.
وقال ناطق باسم الرئيس في تصريح للجزيرة إنه "يدعم بقوة الجهود التي تبذل لمحاربة الفساد في أوكرانيا"، أما غونتاريفا فأوضحت أنها ومؤسسة آي.سي.يو لم يريا حين تمت التعاملات ما يثير الريبة، وقالت المؤسسة إن دورها كان مقتصرا على القيام بأعمال الوكيل.
وعند نشر الجزيرة للوثيقة التي اعتبرت سرا من أسرار الدولة في أوكرانيا، طالبت المجموعات الناشطة سياسيا بفتح تحقيق موسع في الدور الذي كانت تقوم به آي.سي.يو.
وقال في ذلك نينكه بالسترا الناشط السياسي ضد غسيل الأموال في المنظمة الدولية غير الحكومية التي تعرف باسم "الشاهد الدولي"، إن تحقيق الجزيرة "يسلط الضوء تارة أخرى على الشبكة الدولية المتنامية في مجال غسيل الأموال والجريمة.. لا بد من طرح أسئلة جادة عن سبب اعتبار قرار المحكمة الأوكرانية سراً في المقام الأول، ثم كيف تتورط بلدان أخرى -مثل قبرص وبريطانيا- في تسهيل تسرب الأموال الفاسدة؟".
وحسبما جاء في الوثيقة السرية التي نشرتها الجزيرة اليوم الأربعاء، قامت مؤسسة آي.سي.يو بدور الوسيط في شراء سندات بالدولار نيابة عن ثماني شركات قبرصية، تم اقتفاء أثرها جميعا فيما بعد إلى يانوكوفيتش الذي أطيح به في فبراير/شباط 2014.
وكانت محكمة عسكرية في مدينة كراماتورسك شرقي أوكرانيا قد أصدرت بهدوء وصمت الحكم السري في مارس/آذار 2017، وجاء على ذكر قائمة بمئات الشركات -بعضها قبرصي- التي شكلت ما يشبه خط الأنابيب الذي تسرب عبره المال إلى خارج البلاد.
ولم يكشف المدعي العام عن مصادرة مبلغ 1.5 مليار دولار إلا بعد شهرين، معلنا أن أوراق المحكمة لن تُنشر بموجب قوانين أسرار الدولة، وهو ما ردت عليه الجماعات المناهضة للفساد بغضب واعتبرته تحركا غير مألوف، وأقامت دعوى قضائية ضده.
وقد تركزت المحاكمة السرية على شخص غير معروف اسمه آركادي كاشكين، يقوم بدور المدير المرشح للشركات التي يملكها كيرشنكو، الرجل الذي اؤتمن على إدارة إمبراطورية يانوكوفيتش المالية.
وقد أبرم هذا الشخص صفقة مع النيابة، معترفا بأنه العقل المدبر لشبكة ضخمة تضم ما يزيد عن 400 شركة غسلت مئات الملايين من الدولارات.
وبعد حصولها على اعتراف منه بالجرم، تحركت الحكومة مباشرة إلى مصادرة الأموال، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأوكراني بشدة نظرا لتمويل الحكومة للحرب مع روسيا ولما تبذله من جهود لإنعاش دولة خسرت ما لا يقل عن 20% من إجمالي ناتجها المحلي عام 2014.
وتشعر المجموعات المناهضة للفساد بقلق شديد بسبب ما تم من إجراءات، وتطالب بالكشف التام عن جميع أوراق المحكمة، وترى أن الإجراءات القانونية التي تمت في أجواء من السرية وفي غياب تام للشركات القبرصية المعنية؛ إجراءات غير سليمة، مما يوفر الأرضية لأصحاب الشركات لتحدي الدولة في أروقة المحاكم.
وبالفعل تدور حالياً رحى المعركة القانونية، حيث إن الشركات القبرصية بدأت ترفع قضايا على الدولة تتحدى فيها سرية الحكم. ويعتقد المحامون أن لديهم حججا قوية قد يتمكنون بسببها من استعادة بعض -إن لم يكن كل- المبلغ المصادر وقدره 1.5 مليار دولار.
يشار إلى أن أوكرانيا شهدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 مظاهرات عارمة تحولت إلى انتفاضة أطاحت بحكومة يانوكوفيتش.
ويقول الكاتب المتخصص في موضوع الفساد أوليفر بولو إن استعادة الأموال المختلسة أمر بالغ التعقيد ويتطلب تعاوناً بين سلطات متعددة وإجراءات وعمليات قانونية طويلة، مضيفا "أنت تحارب متهمين في غاية الثراء يلجؤون إلى توظيف أفضل المحامين".