في ظل الظروف القاسية التي يعيشها سكان قطاع غزة، لم يعد باستطاعتهم شراء احتياجاتهم الأساسية، فجلهم بات يعتمد على الدين من أصحاب المحال التجارية لسد ضروريات الحياة التي أصبحت غير متوفرة لقلة الرواتب أو فرص العمل.
وفي سابقة من نوعها نشر التاجر أسامة أبو دلال - 33 عاما- عبر صفحته على الفيسبوك منشورا يسامح بموجبه جميع الزبائن من الديون المتبقية عليهم وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية المنهارة في غزة وفق ما كتبه.
تواصلت معه "الرسالة" للاطلاع على الدافع الذي جعله يتخذ هذه الخطوة ليحكي أنه قبل إعلانه مسامحة زبائنه كان يحصي عدد المدينين له، فوجد عددهم كبيرا وجلهم من الموظفين الذين لا يتقاضون الرواتب، أو من أدخلتهم كثرة الديون السجن فقرر مسامحتهم.
ويقول أبو دلال:" نعيش في وضع مأساوي منذ عشر سنوات ولم يشعر بنا أحد، لذا قررت أن اسامح الجميع لأكون سببا ودليل خير للتجار في التخفيف عن المواطنين"، متابعا: "لن أغلق الباب في وجه من يحتاجني وما فعلته ليتخذني غيري قدوة له ويحذو حذوي لإعالة الناس ومؤازرتهم في ظروفهم القاسية".
وهذه ليست المبادرة الأولى التي قام بها التاجر طيلة فترة عمله، فهو صاحب مبادرات كثيرة لمساعدة المحتاجين لكنه لم يكترث للإعلان عنها من أجل الأجر والثواب، لكن اشهاره لمسامحته لزبائنه جاء لتشجيع غيره.
ورفض التاجر أبو دلال اطلاع "الرسالة" على مبلغ الديون التي أسقطها عن المدينين، موضحا أن بعض المقربين طالبوه بتأخير المسامحة عدة أيام عله يحصل بعض المبالغ من الموظفين حال استلامهم الرواتب لكنه رفض ذلك ومضى في قراره.
ومن الأسباب التي جعلته يعلن عن مبادرته أيضا، ما حدث في الأيام الأخيرة وكيف فقد موظفو قناة الكتاب عملهم وتسبب الأمر بالضرر لـ 53 أسرة أصبحت دون مصدر رزق.
ويخبر أنه تأثر كثيرا من ردة فعل الزبائن الذين بكوا عند اعلانه لمسامحتهم، خاصة أن كثيرا منهم أخبروه أنهم سيقومون بتسديد ما عليهم من ديون لكنه رفض ذلك.
وبعدما انتشرت حكاية "أبو دلال" بين الغزيين خرج أحد المحامين وهو أنس درويش معلنا عبر صفحة الفيسبوك قائلاً:" نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء قطاع غزة وامتثالا لتعاليم ديننا الحنيف ولأن المحاماة رسالة قبل أن تكون مهنة (..) أعلن لكل شخص مستأجر وينوي تنظيم عقد ايجار مع المالك أو أي عقد آخر أحد أطرافه والمستفيد منه شخص غير مقتدر عن استعدادي التام لتنظيم هذه العقود مجانا".
كما وتبنى عدد من أصحاب المحال التجارية الفكرة، بالتنازل عن ديونهم، كذلك اشترك في تبني الفكرة عدد من المحامين والنشطاء، وقد غردوا على هاشتاغ #سامح_تؤجر لمسامحة المواطنين من كافة الديون ودعوا للاستمرار بهذه المبادرة.
المؤشرات الأخيرة في قطاع غزة تدل على أن معدلات الفقر زادت، ووصلت نسبة البطالة إلى 46.6 % في قطاع غزة وهي الأعلى عالميا.
وبحسب الاحصائيات فإن نسبة البطالة بين الخريجين 67% في الفئة العمرية من 20-29 سنة، بينما معدلات الفقر والفقر المدقع بلغت 65%، و50% نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في قطاع غزة، فيما تبلغ خسائر قطاع غزة خلال سنوات الحصار 15 مليار دولار.
ويتلقى ما يزيد عن مليون شخص مساعدات من الاونروا والمؤسسات الإغاثية العاملة في قطاع غزة.
وإزاء ذلك، يقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع: "المؤشرات السابقة تؤكد أن قطاع غزة حاليا دخل في مرحلة الانهيار الاقتصادي، واصبح نموذجا لأكبر سجن بالعالم، بلا إعمار، ولا معابر، ولا ماء، ولا كهرباء، ولا عمل، ولا دواء، ولا حياة، ولا تنمية، ويجب أن يعلم الجميع بأن الخناق يضيق بقطاع غزة والانفجار قادم لا محالة".
وأضاف:" أصبح المطلوب من المؤسسات والمنظمات الدولية الضغط الفعلي على (إسرائيل) لإنهاء حصارها الظالم لقطاع غزة وفتح المعابر التجارية وإدخال احتياجات قطاع غزة من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء كافة دون قيود وشروط، وذلك لإنقاذ قطاع غزة من حالة الموت السريري التي يعاني منها".