مرّ شهر على إعلان ترمب القدس عاصمة لـ (إسرائيل) في السادس من ديسمبر الماضي، الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي على المستوى الرسمي والشعبي، بدا في أوضح صوره في الاحتجاجات والمظاهرات التي تجوب عواصم عربية وغربية.
إن الحيوية والتفاعل الذي ينبض به هذا الحراك الشعبي الواسع، في أوروبا على وجه التحديد، بعد مرور شهر، يؤكد أن إعلان ترمب على قدر من الخطورة، ولا يمكن القبول بتمريره بسهولة، وأن الإعلان من شأنه تفجير العنف ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم أجمع.
أما الرسالة الأبرز للحراك، فهي أن الأمر لم يعد يخص الفلسطينيين وحدهم باعتبار أنه يمسّ بالمكانة الدينية والتاريخية والسياسية والقانونية للقدس، لذلك أسقط الإعلان حواجز الجنسية بصورة غير مسبوقة أكدت مبدأ أن قوة الحق عندما تجابه منطق القوّة والتغوّل، تتحول إلى طاقة فعل مؤثرة.
هذه الطاقة بدأت تظهر في الساحة الأوروبية بصورة فاعلة، وهي الأكثر تأثيرا في الرأي العام الغربي بالنظر إلى الموقع السياسي المهم الذي تشغله عواصم هذه الدول، وتأثيرها في النظام الدولي. فحمل هذا الحراك حزمة رسائل إلى هذه العواصم، في مقدمتها أن القرارات أحادية الجانب لن تغيّر من الوضع القانوني للقدس باعتبارها واقعة تحت الاحتلال، وهو ما يتوافق مع مواقف العديد من الدول، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي.
يخاطب الحراك هذه العواصم بضرورة عدم الاكتفاء بالبيانات السياسية المتقدّمة، والتحرّك جديا في الملف الفلسطيني بصورة تدعم مطالب تدويل الصراع، والتوقّف عن الانسياق وراء التفرّد الأمريكي في القرار، والضغط على الولايات المتحدة و(إسرائيل) بضرورة احترام القانون الدولي. والأهم من كل ذلك ألا تبقى القرارات الدولية التي تخص القضية الفلسطينية، حبرا على ورق.
يتجلّى في هذه الحالة دور كبير على الدبلوماسية الفلسطينية في نقل هذا الحراك من الشارع إلى داخل البرلمانات والأوساط السياسية في أوروبا، وأن تكون الدبلوماسية على مستوى الحدث، واستثمار الفرصة في الجانب الذي يدعم تعرية الموقف الإسرائيلي والأمريكي الذي يخالف الإجماع الدولي.
ولا يستثني ذلك أهمية احتواء ودعم المنتديات والممثليات الفلسطينية في الخارج؛ لدورها الكبير في تحشيد الرأي العام الغربي، ويبرز هنا مؤتمر "فلسطينيو الخارج"، الذي لا يمكن إنكار دوره في إعادة التمثيل المفقود للفلسطينيين في الخارج، وهو الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به منظمة التحرير، الغائبة عن كل ما يجري!
وفي هذا الإطار، فإن الخطوة التي من المقرر أن يقدم عليها الرئيس محمود عباس بلقائه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي في الـ 22 من يناير الجاري في بروكسل، تدخل في سياق كسب الموقف الأوروبي الرسمي والشعبي، ومن المهم البناء عليها، من أجل التقاط الرسائل التي يبعث بها الحراك الأوروبي؛ والإبقاء على العزلة التي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيها.