تتحد حارات شارع الصف كجسد واحد لتطل على كنيسة المهد ومسجد عمر بن الخطاب وعينها ما تنفك تحرس مقدسات باتت كفلذات أكبادهن واصلة الليل بالنهار تسهر على راحة أبنائها حيث الشموخ والكبرياء الذي تشتم رائحته لحظة مرورك من "شارع الارهاب" كما يلقبه الصهاينة لحجم الغضب الذي تفجر من قلوب حماته وثواره.
ويعد شارع الصف والذي سمي بهذا الاسم لأنه يفتقر إلى وجود مفارق طرق تقطع امتداده، من أكبر شوارع مدينة بيت لحم حيث أنه يمتد من شمال المدينة إلى جنوبها محتضنا بين ضلعيه خمس حارات شامخة ومسجد عثمان بن عفان ووادي معالي ليكون الأقدر على إيواء عدد أكبر من السكان.
قصص وحكايات كثيرة رواها الشاب "أسعد الهريمي" -24- عاما "للرسالة" عن شارع الصف وما شهده من ملاحم وقصص بطولية جسدها التاريخ الفلسطيني حيث قال بفخر: " أول شهيد بمدينة بيت لحم كان من حارتنا-حارة الخطيب، مبيناً أن الاحتلال يشن حملات اعتقالات حيث تعرض إثرها أكثر من "140" شاباً من ابناء المنطقة للاعتقال خلف قضبان الاحتلال.
شريان الحياة
"لا فرق لدينا بين مسلم ومسيحي" في شارع الصف الذي يذيب الفوارق يقول: "الهريمي" ينتشر السلام والأمان بين الحارات وساكنيها بدءا من حارة التنك مرورا بالفواغرة والمسالمة والتلاحمة انتهاء بحارتي -حارة الخطيب- وهي أكبر الحارات.
وصحب "الهريمي" الرسالة في جولة داخل الحارة حيث شبه بيوتها كالبيت الواحد لما يظهر من تلاصق وتشابك بين جدرانها، واصفا بيته بالقصر لأنه يطل على كنيسة المهد.
كما يوجد في شارع الصف مقبرة الخطيب التي هي من أكبر وأقدم المقابر في تاريخ فلسطين.
وبفخر يسرد "الهريمي" للرسالة مواقف من التكاتف والتعاضد التي تتجلى في مساندة الجيران بعضهم في الأفراح والأحزان بجملة: "أي شئ يحدث عند الجار كل الحي يحضر"، مشيراً إلى أن الشارع يعتبر شريان الحياة لمدينة بيت لحم، حيث تغلق المدينة بشكل كامل في حال تعطلت حركة السير فيه.
ورغم الشارع إلا أن أهالي حاراته لم يضعوا التعليم على الهامش، بل جعلوا منه أسلحة قوية تدعم مواقفهم في ردع الاحتلال وخرج عددا كبيرا من الأطباء والمحامين والمعلمين وسلسلة كبيرة من القادة والثوار حسب الهريمي.
ديوان الحارة
وكما هو معروف في فسطين لكل حارة رجل حكيم يقودها ويقضي في مشكلاتها وحاجاتها يعرف بـ "المختار" حيث يجتمع مع الأهالي يناقشون أمور الحارة ومتطلبات الأسر فيها، داخل "ديوان الحارة" الذي تم من خلاله إنشاء صندوق لجمع التبرعات اللازمة لمساعدة أهل الحارات، وخصص الجزء الأكبر منه لدعم الطلاب الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، ولتشييد المباني للأسر المتعففة، ليظهروا كالصف المتراص ليكون لهم من اسم شارعهم كل النصيب.
أما عن طقوس أفراحهم يحكي أن كبير مختار الحارة يكون على رأس كل جاهة تتوجه لطلب الفتاة من أهلها لأحد شباب الحارات ليكون المتحدث باسم عائلة العريس، حيث بات معروفاً لدى الجميع، "كلمته ما بتصير اثنين" كما وصف "الهريمي".
في شارع الصف تجد البيوت الصغيرة المتلاصقة كأن الجدران تعشق بعضها، تشعرك بالطمأنينة، مما يترك لدى زوار المنطقة انطباعا إيجابياً ومزيجاً من مشاعر المحبة والمودة، كما تشاهد في عيون ساكنيه شموخا واصرارا رغم ما يعانوه من اقتحامات واعتقالات شبه متكررة، فلكل حارة من حارات فلسطين حكاية مصبوغة بطابع من نوع خاص.