قائد الطوفان قائد الطوفان

نساء "اليامون" يرسمن من حجارة الوطن لوحات عز

غزة- ياسمين عنبر

وأنت تتجول بين بعض قرى جنين، يلفتك نظرك نساء ينبشن في أراضيها لجمع الحجارة التي تختبئ بين الرمال، عدا عن القوارير التي تجذبك على شرفات المنازل، مصنوعة من حجارة الأرض، تصطف على حوافها، فتعلم أنها من صنع نساء قرية "اليامون" اللواتي يصنعن لوحات فخر من رمل الوطن.

وقرية اليامون تقع في الشمال الغربي لمدينة جنين شمالي الضفة الغربية، وتبعد عن مدينة جنين 9 كم، ويعمل معظم أهلها بالزراعة والتجارة.

تتربع قرية "اليامون" على مجموعة تلال وسط منطقة جبلية في جنين، تسحر كل من مر عليها بجمال الطبيعة الجبلية المليئة بالأشجار المتنوعة ذات الألوان الرائعة والظلال الوارفة، عدا عن زيادة جمالها الذي تضيفه طبيعتها وموقعها ما أكسبها مناخًا وطقسًا معتدلًا.

"أم محمد الكيلاني" واحدة من نساء اليامون التي تزين بيتها من الداخل والخارج بقوارير تصنعها بيديها، تحكي لـ"الرسالة": "شعورنا ونحن نجمع من حجارة أرض مباركة كفلسطين لا يوصف ونعتبر موسم جمع الحجارة مناسبة فرح"، حيث تجتمع النساء في أماكن تنتشر فيها الحجارة والطوب، ويبدأن بالنبش والتجميع، وهن يتغنين بأهازيج شعبية.

وتتابع: "أجمل زينة للبيوت تلك التي نصنعها بأيدينا، وبعض النسوة يعتبرن صنع قوارير الزينة والزراعة بداخلها هو مصدر دخل لهن فهن يبدعن بتزيين بيوتهن وأيضًا يبعنها لنساء القرى المجاورة لليامون"، وراحت تحكي عن قرية اليامون وجمال طبيعتها.

تسميات كثيرة مرت على قرية "اليامون" عبر تاريخ جنين، ولتسمياتها أسباب كما تقول "الكيلاني"، حيث يقال إنها جاءت تصغير وجمع كلمة (يما)، بمعنى البحر، واليم هو مجمع الماء، وتكمل: "ولكن القرية ليست بحرية، وإنما تكثر فيها عيون الماء وينابيع المياه العذبة المنتشرة، وبعض الأنهار مثل نهر المقطع، ونهر آخر في النقارة وان كان قد اختفى".

كما أن بيارات الليمون التي تشتهر به القرية لها علاقة أيضًا باسمها كما أخبرها جدها الثمانيني، ولكن البعض الآخر يرى ان أصل التسمية جاء منسوبًا إلى "النبي بنيامين"، وهو أخو النبي يوسف عليه السلام، تقول: " ما زال مقامه حتى الآن والمتعارف عليه (مقام النبي يامين)، على اعتبار ان اسم اليامون هو تحريف لاسم يامين".

وحكاية الهجرات البشرية الأولى التي جاءت من اليمن، لها علاقة بالاسم كما يقول بعض المؤرخين، إذ اشتق من "اليمن"، حيث سكنت هذه القبائل المنطقة وأعطتها اسمها، وذلك منذ حوادث سد مأرب في العصور الغابرة.

على سهل "مرج بن عامر" تشرف قرية "اليامون" والمرج معناه المكان المعشب ذو الخضرة الدائمة، وقد أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى قبيلة بني عامر، وهو يعتبر أخصب أراضي فلسطين وذلك بفضل مناخه وتربته الصلصالية.

مكتشفات أثرية في "اليامون" تدل على عراقة هذه القرية، وعلى كثرة الحضارات التي مرت عليها، حيث هناك آثار نقب عنها المؤرخون تعود إلى العصر البرونزي، تحكي "الكيلاني": " كانت اليامون في العهد الروماني تسمى (يانوا)، ويقال من الفعل ( يانواح) بمعنى يستريح ويطمئن وهي تسمية مرتبطة بالموقع الجغرافي الملائم طبيعيا وإستراتيجيًا".

وتسترسل بفخر: "اليامون من أروع وأجمل بلدات جنين، وتضم مناطق أثرية، تشتهر بالزيت والزيتون البلدي، وبها عيون ماء نبع، يمتاز أهلها بالطيبة والكرم والنخوة".

بأهازيج شعبية ختمت "أم محمد" حديثها، تلك الأهازيج التي تتغنى بها ونسوة الحارة وهن يجمعن الحجارة وراحت تقول: "اجمعن حجر ورا حجر.. واللي ما تجمع يجيها صقر.. هاتوا الرمل يا نسوان.. يا زينة كل البلدان.. هاتوا الحجارة يا ستات.. ياللي بناتكم حلوات".

البث المباشر