قائمة الموقع

مشاريع بنية تحتية تؤسس لـ"شوارع موت" في القطاع!

2018-01-25T07:37:04+02:00
شارع الرشيد بغزة
غزة-تحقيق محمد عطا الله

تفضح زخات الأمطار كل عام عورة البنية التحتية لمعظم مناطق قطاع غزة، وتحول الشوارع لـ"برك" يتعذر سير السيارات والمشاة فيها، غير أن الصدمة تنتاب الغزيين من انكشاف عورة شوارع حديثة الإعمار كالحال إثر تهاوي أجزاء من شارع الرشيد غرب مدينة غزة وتآكل أطرافه، بعد أشهر قليلة من إنجازه قبل قرابة العامين.

ويعكس هذا التهاوي وانتشار الحفر على طول الطريق، وظهور علامات الشيخوخة على الأسفلت لدرجة بروز "الحصمة" في بعض أجزائه بسبب عوامل التعرية، رداءة تنفيذ مشروع إعادة الترميم الذي استهلك أموالاً طائلة.

وتوفي مواطن من حي الزيتون جنوب غزة أواخر نوفمبر العام الماضي جراء إصابته بصعقة كهربائية بسبب الأمطار الغزيرة التي أفضت لغرق نحو عشرة منازل، ومحال تجارية، وطرق وشوارع رئيسية شرق المدينة.

ما سبق دفع "الرسالة" إلى البحث للوقوف على أسباب ضعف مشاريع البنية التحتية وآلية تنفيذها والرقابة عليها خاصة التي يتم إنجازها حديثاً، لا سيما المشروع الأضخم شارع صلاح الدين والذي تعرض للغرق قبل حوالي شهرين من كتابة هذا النص.

تواطؤ مع شركات

وفي الرابع والعشرين من أيلول الماضي اتهمت شركات مقاولات، في قطاع غزة، رئاسة اتحاد المقاولين، بالتواطؤ مع شركات على حساب أخرى في شراء عطاءات مقابل توزيع حصص مالية بينهم.

وقال رئيس شركة "الراسيات للمقاولات"، عماد عابد: "إن 14 شركة مقاولات بغزة، اتفقت بترتيب من رئيس اتحاد المقاولين على شراء عطاءات المنحة الكويتية المطروحة لتنفيذ مشاريع طرق وبنية تحتية في محافظتي غزة والوسطى بأسعار متفق عليها مسبقاً".

وأضاف عابد آنذاك لصحيفة فلسطين المحلية أن الشركات -المصنفة طرق وبنية تحتية-اتفقت مع رئيس الاتحاد على رفع سعر العطاء أكثر من السعر المحدد له في المنحة، على أن يُوزع الفارق المالي بينهم فور تسلمهم أموال المنحة.

وعَلم معد التحقيق من مصادر مُطلعة وجود تلاعب من الجهات المسؤولة عن تنفيذ ومتابعة مشاريع البنية التحتية وعلى رأسها "المشاريع الدولية"، الأمر الذي دفعنا لبدء البحث والتقصي ومحاولة كشف مواطن التقصير حول هذه القضية ووضعها على طاولة المسؤولين.

ما سبق قادنا إلى شركة "الراسيات للمقاولات"، وهناك قابلنا المهندس أحمد عابد الذي أكد وجود تلاعب في عطاءات المنحة الكويتية التي جرى طرحها قبل قرابة الثلاثة شهور، مما دفعهم إلى الاحتجاج والمطالبة بإعادة طرح العطاء.

وأكد عابد لـ"الرسالة" أن وزارة الأشغال العامة والإسكان أعادت طرح العطاء مجدداً وجرى على إثره الترسية على شركات أخرى، مبيناً أن اعتراضهم وجد آذانا صاغية.

تلاعب وغياب رقابة

وفي نفس السياق قابلنا المهندس نضال المسلمي مدير عام المشاريع في وزارة الحكم المحلي، والذي أوضح بدوره أنهم كجهة حكومية لهم دور إشراف علوي في متابعة المشاريع التي تنفذها البلديات، باستثناء الرقابة على المنحة الكويتية.

ويوضح المسلمي في حديثه لـ"الرسالة" أن جميع المشاريع تتم عبر طرح العطاءات الرسمية، ثم تتم الترسية على أقل الأسعار التي تناسب الشروط المطروحة لتنفيذ المشروع. وكشف مدير المشاريع في الوزارة عن وجود محاولات تلاعب لبعض المقاولين في المواصفات عبر طرق وأساليب خاصة بهم من أجل تحقيق ربحية أفضل وأكبر من المرصودة لهم.

 

الحكم المحلي: المقاولون يحاولون اللعب بالمواصفات طمعا في ربح أكبر

 

وعن دورهم في منع هذه التلاعبات، أكد أنهم يرفضون إجراء أي تغيير في المواد الخام المرصودة للمشروع من قبل المقاول إلا في حال أن تكون بنفس الجودة المستبدلة أو أفضل منها، وفي حال المخالفة يتم خصم ذلك البند على المقاول وإعادته على حسابه.

وبيّن المسلمي أنه جرى انجاز أكثر من 120 مشروع بنية تحتية بقطاع غزة في مختلف قطاعات الطرق والصرف الصحي والآبار والمياه، خلال العام المنصرم وحتى كتابة هذا النص.

بدوره، أكد نقيب المقاولين الفلسطينيين السابق المهندس أسامة كحيل، أن المسؤولية تقع على عاتق جميع الأطراف، مبينا أنه عند طرح العطاء لشركات المقاولات تتم الترسية من الاستشاريين على أقل الأسعار دون النظر لخبرة الشركات أو قدرتها على تنفيذ المشاريع الضخمة، وفق قوله.

وبيّن كحيل في حديثه لـ"الرسالة" أن الترسية على أقل الأسعار تضر بالمشروع والمقاول والشركة على حد سواء، الأمر الذي يضطرها إلى التلاعب بالمواصفات والجودة، ويلجأ الاستشاري إلى غض البصر عن ذلك بسبب غض الشركة بصرها عن بعض الأخطاء في التصميم، وذلك في ظل غياب الدور الرقابي والحازم من قبل البلديات ووزارة الاشغال العامة.

 

نقيب المقاولين السابق: الترسيات تتم على أقل الأسعار دون النظر لخبرة ومقدرة الشركات

 

ويشير إلى وجود أخطاء فاضحة في التصميم بمشروع صلاح الدين، وهو الشارع الأضخم في قطاع غزة، مما تسبب بإهدار أرواح عشرات المواطنين نتيجة الحوادث المتكررة بسبب ذلك عدا عن غرقه مؤخراً.

ولفت نقيب المقاولين السابق أنه عارض تصميم شارع صلاح الدين عند طرح عطائه في ذلك الوقت الذي كان فيه نقيب للمقاولين، وقدم وجهة نظره للمسؤولين عن المشروع إلا أنهم رفضوا التعاطي معها وتذرعوا بأن التمويل غير كافي.

ويشدد على أن جميع الجهات تلقي باللوم على المقاول كونه الحلقة الأضعف "مع أنه غير معفي من المسؤولية"، محملا الجهات الرسمية مسؤولية التغطية على بعض الرشاوي التي تجري وغض الطرف عن جوانب القصور، وفق قوله.

التعامل وفق الامكانيات

ما سبق دفع معد التحقيق إلى طرق باب وزارة الأشغال العامة والإسكان، وهناك قابلنا وكيل الوزارة ناجي سرحان، الذي نفى وجود أي ترسيات لبعض المشاريع والمنح على شركات أو مقاولين بعينهم، منوها إلى أن مشروع صلاح الدين تم على أربعة مراحل وكل مرحلة نفذتها شركة مختلفة.

وقال سرحان لـ"الرسالة": "إن الترسية على أقل الأسعار لا تعني العمل بأقل المواصفات، وإذا كانت التكلفة التقديرية أقل من الأسعار يتم استثناء الشركة التي تتقدم للمشروع"، مؤكداً أن وزارته لها دور إشرافي علوي يتم من خلاله التأكد من تطبيق المواصفات في المشاريع وفحص العينات بشكل دقيق.

وعن وجود أخطاء هندسية في تصميم شارع صلاح الدين، أوضح سرحان أن الإمكانيات والموازنة المطروحة آنذاك حالت دون إنشاء أي جسور أو كباري من شأنها أن تحد من حوادث السير في الشارع الرئيسي، لافتاً إلى تعويض ذلك بدورانات وبعض الإشارات التي تم وضعها في بعض المناطق، مردفاً "من أنجز التصميم هي مكاتب استشارية لها كفاءتها وخبرتها وتم اعتماده من قبلنا، ويكفي فلسفات زائدة من البعض"، وفق تعبيره.

 

الأشغال والإسكان: الميزانية المطروحة تحكم المشروع ونعاني من بنية تحتية رديئة

 

وشدد على أن الشوارع الرئيسية في القطاع خالية من أية مشاكل ومصممة حسب الأصول ويتم صيانتها بين حين وآخر.

ويمتد شارع صلاح الدين من أقصى شمال قطاع غزة في بيت حانون إلى مدينة رفح أقصى الجنوب بطول 46 مترا ويربط بين كافة محافظات القطاع، وقد حظي مؤخرا وتحديدا في العام 2013 بالاهتمام وتم تطويره وتصميمه وتخطيطه على أربعة مراحل بدعم وتمويل من اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة.

وأمام ما سبق كان لابد من الوصول إلى اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، وبعد أيام من التواصل والتنسيق قابلنا مستشار رئيس اللجنة القطرية لإعادة اعمار غزة د. يوسف الغريز في فندق المشتل غرب مدينة غزة.

آليات واضحة

ويقول الغريز: "إن جميع مشاريع لجنته هي بنية تحتية وتصب في إعادة اعمار غزة سواء في قطاع الطرق أو الإسكان أو الصحة أو غيرها"، مشددا على أنهم لديهم آليات واضحة بذلك.

ويضيف لـ"الرسالة" أنه عند طرح عطاء لتصميم المشروع وقبلها يتم تحديد الأولويات والاحتياجات بالتنسيق بين الحكومة واللجنة القطرية ووزارة الاشغال العامة والإسكان، لافتا إلى أنه لا يوجد أي مشروع جرى تنفيذه دون التنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

 

اللجنة القطرية: البلديات مُقصرة بمتابعة المشاريع بعد إنجازها

 

ويلفت مستشار اللجنة القطرية إلى أن الترسية تتم على أفضل العروض المقدمة من ناحية فنية ومالية، منوهاً إلى أنه بعد الانتهاء من المشروع يتم الاستلام عبر لجنة من وزارة الأشغال ومناديب من لجنته بحضور الاستشاري مع أخذ كافة الملاحظات وإبقاء المشروع في كفالة المقاول لمدة عام كامل من استلامه، لمتابعة أي خلل قد يتعرض له المشروع وصيانته.

وحمّل الغريز البلديات مسؤولية التقصير في متابعة المشاريع بعد إنجازها واستلامها، مضيفاً أن "البلديات مقصرة في متابعة الطرق الرئيسية والحفاظ على نظافتها ومتابعة مصاريف المجاري والمياه فيها".

ويتابع "قد يحصل حالة هبوط في الطريق وهبوط وخلل في التربة وأخطاء أثناء تنفيذ المشروع، وهذه مسؤولية يتحملها المقاول ويجب عليه صيانتها ومعالجتها وهو وضع طبيعي"، منبهاً إلى أن غرق شارع صلاح الدين قرب المنطقة الوسطى كان بسبب أحد المواطنين العابثين الذي تعمّد إغلاق مصاريف المجاري وردمها بـ"الباطون" إثر خلاف بينه وبين وزارة الأشغال، نافيا ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك بأن السبب وراء ذلك هو غش المقاولين والجهة المنفذة.

معد التحقيق حمل هذه القضية ووضعها على طاولة بلدية غزة التي اتخذها كعينة كونها البلدية الأكبر في القطاع، وهناك قابلنا مدير عام الهندسة والتخطيط في بلدية غزة د. نهاد المغني الذي بدوره أكد أنهم يعملون ضمن خطة استراتيجية وبالتنسيق مع لجان الأحياء المختلفة في قضية مشاريع البنية التحتية.

 

بلدية غزة: مشاريعنا تتم بإشراف دقيق

 

وأوضح المغني لـ"الرسالة" أنهم يُعدون التصاميم اللازمة لأي مشروع بنية تحتية ويشرفون على التنفيذ بشكل كلي أو جزئي مع الجهة الممولة للمشروع، مشددا على ضرورة أن تلبي تلك المشاريع الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمنطقة المستهدفة. ولفت إلى أن جميع مشاريع البنية التحتية تتم بإشراف ومتابعة دقيقة دون أي مشاكل.

نقص بالكادر

وبالعودة إلى وزارة الحكم المحلي فإن المهندس المسلمي، يُقر بوجود نقص في عدد المهندسين لدى وزارته للإشراف على مشاريع البنية التحتية، مبيناً أن ظروف الحصار وفرض نظام التعامل عبر "السستم" يُكبل عمله وينعكس على جودة المواد الخام التي يتم استيرادها، إلى جانب تعطل بعض المشاريع التي تنتظر موافقة الاحتلال "الإسرائيلي".

وهنا يؤكد وكيل وزارة الأشغال سرحان أن البنية التحتية في قطاع غزة تعاني من نقص شديد، وبحاجة إلى إعادة ترميمها بشكل كامل عبر شبكات صرف ومياه جديدة. ويكمل "غزة تحتاج إلى مشاريع بنية ضخمة لذلك نحتاج من الحكومة رصد ميزانية إضافية وكبيرة ويكون التركيز على القطاع حتى نستطيع تطويره بشكل جيد".

ذريعة غير مبررة

ويرى أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر د. معين رجب أن التذرع بعدم التمويل ونقصه من أحد العيوب، وهي ذريعة غير مبررة، لافتا أن الأصل بأن تكون العطاءات الخاصة بالمشاريع تعدها جهات فنية متخصصة وتحدد مواصفات بالدقة الكاملة استنادا إلى معايير عالمية ودولية.

ويؤكد رجب في حديثه لـ"الرسالة" أن عدم كفاية التمويل لا يعني إظهار العيوب، ونقص التمويل لا يبرر استكمال المشروع دون الكفاءة المطلوبة، مبينا أن المسؤولية تقع على عاتق الجهة التي قامت بإعداد العطاءات ثم الجهة المشرفة عليها.

ويشير إلى أن ضعف الجودة المطلوبة في المشروع يؤدي إلى إظهار أخطائه وعيوبه خلال فترة قصيرة؛ بسبب استخدام مواد غير ملائمة وغياب الرقابة على التنفيذ إلى جانب تداخل جهات الاختصاص "وكل ذلك بغرض تحقيق أرباح عالية من وراء المشروع دون الالتزام بالمواصفات المتفق عليها".

وفي نهاية المطاف فإن من الأهمية فرض الرقابة على الجهات والشركات المختصة في انشاء مشاريع البنية التحتية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مراعاة الدقة والمعايير العالمية المطلوبة وخاصة فيما يتعلق بالتصميم والاشراف وصولاً إلى تنفيذ وإنجاز المشاريع كافة، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بترسية مشاريع البنية التحتية من قبل الجهات المختصة على شركات تتوفر فيها الكفاءة المطلوبة لإنجاز المشاريع بالشكل السليم.

اخبار ذات صلة