تتواصل الأزمة المالية لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إثر تقليص الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها السنوي، فيما تتجه الأنظار صوب المانحين الدوليين لسد الفجوة المالية التي أحدثها التقليص الأمريكي.
وكان واضحاً الموقف القوي الذي أبدته الأونروا من القرار الأمريكي، وهذا ما ظهر من تصريحات المفوض العام للوكالة بيير كرينبول بأن اللاجئين الفلسطينيين عانوا لمدة 70 عامًا من هضم حقوقهم بسبب غياب الحل السياسي، مضيفًا أن "كل إنسان على وجه الأرض يجب أن يتم التعامل معه باحترام وكرامة، وهذا يشمل اللاجئين الفلسطينيين أيضًا".
وأطلق كرينبول حملة عالمية من قطاع غزة، لدعم الوكالة بعد القرار الأمريكي، مبيناً أن "أونروا" ستقف إلى جانب اللاجئين في المناطق الخمسة، و"كشهّاد لقضيتكم التاريخية وحقوقكم وكرامتكم أيضًا"، مؤكدًا "أن مدارس أونروا وعياداتها ستبقى مفتوحة، وخدماتها ستستمر حتى إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، إنه تحدٍ كبير، ولكنها قضية ملحة يجب أن نقوم بها"، وفق قوله.
يشار إلى أن "أونروا" تقدم خدماتها لأكثر من خمسة ملايين و900 ألف لاجئ فلسطيني مسجل لديها في خمسة مناطق عمليات رئيسة هي قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان.
وأوجد القرار الأمريكي حالة من القلق في صفوف الموظفين العاملين لدى الأونروا خشية أن يمس الأمر رواتبهم في ظل التقليص المالي، وكذا الحال مع عشرات آلاف اللاجئين الذين مسهم القلق على مصير الكابونات الغذائية التي يتلقونها بشكل دوري من "الأونروا".
ولأزمة الأونروا على صعيد قطاع غزة خصوصية في ظل التردي المتواصل في الحالة الاقتصادية إثر العقوبات المستمرة من قبل رئيس السلطة محمود عباس منذ ابريل 2017، إضافةً إلى ملفات اقتصادية أخرى تعثرت بسبب بطء تنفيذ اتفاق المصالحة الموقع في أكتوبر المنصرم بين حركتي حماس وفتح في العاصمة المصرية القاهرة.
وفي التعليق على ذلك، قال عدنان أبو حسنة المتحدث باسم الوكالة: "إن المفوض العام يجري جولة بدأها في اليابان من أجل توفير الدعم المالي اللازم لسد العجز المالي الناتج عن تقليص أمريكا للمنحة التي تقدمها للوكالة بشكل سنوي".
وأكد أبو حسنة في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن التقليص يشكل خطرًا حقيقيًا على عمل الوكالة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن خدمات الوكالة ستستمر على أكمل وجه كما المعتاد، وكذلك الحال مع ملف الموظفين والرواتب المستحقة لهم في كل شهر.
وبيّن أن الوكالة تتوقع ردودًا إيجابية من الدول الصديقة والمتعاونة مع الوكالة خلال الفترة المقبلة على إثر الحملة التي أطلقتها منذ أيام، منبهًا بأن الأزمة المالية الحالية تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية والإقليمية بما يساعد الوكالة على الاستمرار في خدماتها خلال العام الحالي.
وكان رئيس اتحاد الموظفين في الوكالة جمال عبد الله، قد كشف لـ"الرسالة" أن الأيام المقبلة ستشهد فصلاً لـ600 معلم في غزة ووقف توزيع "الكابونات" عن لاجئي القطاع، أسوة بسياسة الوكالة التي تنتهجها في الضفة، مبيناً أن حملة التقليصات بدأتها الوكالة قبل قرار ترامب بخصوص الامتناع عن دعمها.
وأوضح أنّ الأونروا قطعت منذ خمسة شهور توزيع البطاقات الغذائية المعروفة بـ"الكابونة" عن لاجئي الضفة المحتلة، و"ستتجه لتطبيق هذه السياسة بذريعة وجود الأزمة المالية ليطال ذلك قطاع غزة". وبيّن أن الاتحاد سيكون داعمًا لكل الخطوات الاحتجاجية "ولكن يجب على اللجان الشعبية والأهالي أن يثوروا على هذه السياسات، فالتقليصات القادمة ستكون صعبة جدًا"، وفق قوله، مبيّنًا أن السياسة الأمريكية بتقليص مساعداتها سيفقد الأونروا ثلث موازنتها، ولكن" عمليًا الأونروا بدأت سياسة التقليص قبل عقوبات ترامب".
وفي المقابل، يرى د. عصام عدوان رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس أنه بإمكان الأونروا تجاوز الأزمة المالية الحالية من خلال عدة خطوات يمكن تنفيذها من قبل إدارتها، مشيرًا إلى أن الموقف المبدئي للأونروا يظهر تجاوبًا إيجابيًا مع المطالبات بأن تكون الخدمات المقدمة للاجئين خارج إطار الأزمة وآثارها.
وأوضح د. عدوان في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن أولى الخطوات التي يجب على الأونروا فعلها لتجاوز الأزمة أن تقلص مصروفاتها غير الضرورية والتي لا تضر بالخدمات المقدمة للجمهور، وثم السعي إلى إضافة داعمين جدد لها إذ إن داعميها الحاليين يبلغ عددهم 80 دولة من أصل 194 مسجلة لدى الأمم المتحدة".
وأضاف أن من ضمن الخطوات أيضًا أن تسعى إلى طلب سد العجز من الأمم المتحدة بشكل مباشر بزيادة الميزانيات المسجلة لحساب الأونروا، محذراً في الوقت نفسه من التوجه للخيار الرابع المتمثل في سد العجز على حساب تقليص الخدمات المقدمة للاجئين.
وفي نهاية المطاف، يفهم الفلسطينيون بمختلف ألوانهم أن التقليص الأمريكي للأونروا يجيء من البوابة السياسية، على أمل القضاء على ملف اللاجئين الذي يمثل أحد ملفات الحل النهائي، بعد أن انتهت واشنطن -وفق ما ترى-من ملف القدس بإعلانها عاصمة لإسرائيل.