كتب فادي عزام روايته الثانية "بيت حدد" (دار الآداب، 2017)، وهي رواية من القطع المتوسط 464 صفحة، رواية تجذب القارئ لينهيها في جلسة واحدة بالرغم من طولها النسبي بالنسبة لروايات المرحلة.
رواية "بيت حدد" في الغالب الأعم تتخذ من سوريا مسرحًا لأحداثها، باستثناء بعض الومضات التي تقودنا إلى دبي ولندن، لكن مكان الحدث الأساس هو سوريا، من دمشق لريفها إلى الشمال، وختامًا الجزيرة التي استوطنها تنظيم الدولة الإسلامية، وتبقى الإمارات وبريطانيا أمكنة لتحضير الشخصيات للفعل، ووقت للراحة من مآسي سوريا.
يرسم فادي عزام في "بيت حدد" بسلاسة روائية مدهشة شخوصه، ويجعلنا نعيش معهم تاريخهم وماضيهم وسنوات الصراع المريرة في سوريا، فيديل أو فاضل يعاني من الازدواجية التي رافقته، بين والده الشيوعي الذي أصر على تسمية "فيديل" تيمنًا بكاسترو، ورغب له أن يصبح محاميًا، وبين أخوال متدينين اهتموا بتربيته كـ"فاضل" على علوم الدين وعلى فكر إسلامي، مستغلين فترة سجن الأب.
ترمي الظروف فاضل إلى علاقة مع الأنثى الأولى، علاقة مشوهة يشوبها التعقيد بصبية تنتمي لفكر يناقض ما هو عليه، فهي من "رابطة العمل الشيوعي"، وتشارك في تحرير الراية الحمراء بينما هو يتأرجح بين الإيمان والتدين الشديد، عند اعتقالها تبدأ رحلة هروبه لخشيته من أن يناله الاعتقال. رحلة البحث عن الذات في ثنائية متناقضة مكونة من فيديل ومن فاضل. في لندن يتزوج من أرملة إنجليزية ويبدأ حياة استكشاف ذاته.
يسرد لنا الكاتب فادي عزام تفاصيل دقيقة في "بيت حدد"، وذلك من حياته تارة فنعيش لحظات لندن بتفاصيلها الغنية، وتارة يقص لنا بسرعة كبيرة قصة زيجته الثانية وسنوات السياحة حول العالم التي ينفق بها ما ورثه من زوجته الأولى، لينتهي بنا الأمر بفيديل ليعيش حياة بوهيمية في بذخها في المدينة المتصالحة مع نفسها ومع طبقاتها؛ الماخور الكبير المسمى دبي، حيث يعمل فيديل كمخرج للإعلانات. وعزام في نصه الروائي لا يدين المدينة بل يعتبرها مدينة متصالحة مع ذاتها ويعمل على توصيف مجتمعاتها الثلاثة.
فادي عزام مبدع في رسم شخوصه، يشد القارئ لكل منها بحبال غير مرئية، يستفز حاسة التخيل لدى من عاش دمشق ومجتمع ثورتها وطبقتها المخملية وحراكها، ليحاول اكتشاف أي منزل هو بيت حدد، ومن هم الشخوص الذين يطيفون حول الرباعي الأهم، فيسأل القارئ نفسه عن شخصية الدكتور سعد الدين، وعن الطبيب عباس الذي صار رجل أمن كبير، يتساءل عن المناضل المقهور عيسى وعن غيرهم.
بعض الشخصيات التي تبدأ في الحدث تلعب دورها في التقديم للشخصيات، ثم تختفي لتظهر في النهاية، كالمحامي الذي يتصل بأنيس في بريطانيا، ويهدده في دمشق ببيع البيت لأن المشترين لا يقبلون أن يقال لهم لا، ثم يظهر في المسلخ البشري في النهاية مرة ليتم عقد البيع بمفعول رجعي ومرة كجثة يقوم أنيس بتشفيتها من الأعضاء الهامة.