تزداد الأوضاع المعيشية قسوة في قطاع غزة وفق مؤشرات ترسم معالم انهياره الاقتصادي، لاسيما مع استمرار الحصار الإسرائيلي الذي امتد لأكثر من عشر سنوات، وحول القطاع الساحلي المكتظ بمليوني نسمة لأكبر سجن في العالم، إذ سجل عام 2017 مؤشرات سلبية في مختلف المجالات بما يجعله الأسوأ طيلة سنوات الحصار.
ورغم الوضع الكارثي والفقر المدقع الذي يعيشه الغزيين، إلا أن صمت المؤسسات الحقوقية والدولية يزيد الطين بلة، فلا حراك دوليا من قبلهم لفك الحصار وعودة الحياة إلى طبيعتها للمدنيين.
وبحسب الاحصائيات، تبلغ نسبة الفقر والفقر المدقع في قطاع غزة نحو 85%، فيما تبلغ نسبة البطالة 50%، عدا عن إصابة 40% من أطفال القطاع بأمراض فقر الدم وسوء التغذية، ونسبة المياه غير الصالحة للشرب 95%، بينما لا يجد 80% من الطلاب مصروفهم اليومي، و85% من طلبة الجامعات يعجزون عن تسديد رسومهم الدراسية، فضلاً عن 10 الاف خريج جامعي سنويا لا يجدون فرصة عمل دائمة أو مؤقتة.
ويضاعف المعاناة الإنسانية في القطاع حاجة حوالي 50 ألفا من ذوي الاعاقة للعلاج والتأهيل، عدا عن نفاد 230 صنفا من الادوية من مستشفيات القطاع، فضلاً عن إصابة 13 ألف شخص بالسرطان وحاجتهم إلى العلاج والسفر في الخارج.
يذكر أن تجمع المؤسسات الخيرية أعلن الأسبوع الماضي أن قطاع غزة "منطقة منكوبة إنسانيا"، داعياً إلى "التحرك العاجل لإنقاذه".
وفي ضوء الاحصائيات الصادمة عن مستوى الحياة في قطاع غزة، حشرت منظمة أوكسفام العالمية الشهيرة بمكافحة الفقر، عشرات المتطوعين في صناديق لتعرف العالم بحالة الحصار المطبق على غزة.
وقبل نهاية العام الماضي أصدرت منظمة أوكسفام دراسة بتحديد الاحتياجات للغزيين وكانت المستويات صادمة، حيث أجمع أكثر من مئتي شخص وهم من أكثر المناطق فقرا بالقطاع أنهم يحصلون على نسب أقل من الغذاء مع اشتداد أزمة الكهرباء، فيما أفادت نساء بأنهن يذهبن للنوم جائعات لأنهن يعطين الأولوية لأسرهن.
كما جاء في الدراسة أن الرجال يكافحون في مواجهة العجز عن توفير الغذاء لأسرهم، بالإضافة إلى الشعور المتزايد باليأس بالنسبة لهم، عدا عن أن غزة أصبحت غير قابلة للحياة أكثر فأكثر، والمواطنين بحاجة لاستعادة الكهرباء فوراً، وكذلك إلى تسهيل التحويلات الطبية بين غزة والضفة الغربية، وإلى الوقف الفوري للتقاعد الإجباري المبكر للموظفين.
ونادت أوكسفام الى إشراك المجتمع المدني الفلسطيني على المستويات كافة في هذه المبادرات، فتجارب وآراء الفلسطينيين - نساءً ورجالاً- الذين يعملون بجد من أجل مساعدة أهلهم يجب أن تكون مسموعة وسط هذا الضجيج الدبلوماسي المستمر الذي أبقى على هذه الأزمة لفترة طويلة جداً.
توثيق الانتهاكات
أدنى الاحتياجات الأساسية لم تتوفر للغزيين في ظل الصمت المطبق للجهات الدولية والحقوقية، حيث أن معدل انقطاع الكهرباء يوميا 12 لـ 20 ساعة، وتعرض 31 للموت حرقا بينهم 23 طفلا بسبب استخدام البدائل منذ 2010، بالإضافة إلى أن معبر رفح الحدودي لم يفتح سوى 21 يوما منذ العام الماضي.
وهنا تعقب مها الحسيني مديرة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، على دور المؤسسات الحقوقية في إنقاذ الوضع الكارثي للقطاع قائلة:" استمرار الحصار على غزة هو أحد نتائج صمت المجتمع الدولي الذي منح "إسرائيل" الضوء الأخضر لتضييق الحصار وزيادة معدلات الفقر".
وبحسب الحسيني، فإن ما يمكن فعله من قبل المنظمات الدولية والحقوقية هو توثيق الانتهاكات ورفعها عبر تقارير للجهات المعنية كالمقرر الخاص للأمم المتحدة المختص في حقوق الانسان على الأراضي الفلسطينية، وكذلك رفع شكاوى للمسئولين الأمميين للضغط على الاحتلال الاسرائيلي.
ولفتت خلال حديثها للرسالة إلى أن الاتحاد الأوروبي والدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1948 تلزم "إسرائيل" بتوفير احتياجات الفلسطينيين كونها تحتل أرضهم، لذا الحصار المفروض يعد انتهاكا فاضحا لاتفاقية جنيف، موضحة أنه من المفترض فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية لإجبار "إسرائيل" لرفع الحصار عن قطاع غزة.
وعن التقارير التي ترفع للأمم المتحدة وترصد الوضع الانساني في قطاع غزة، بينت الحسيني أن مؤسسة الأورومتوسطي وحدها أصدرت ثلاثة تقارير العام الماضي لتوثيق تدهور الحالة الإنسانية في غزة، وتواصلت مع مسئولين أممين لحقوق الانسان، بالإضافة إلى القيام بعدد من الفعاليات في أروقة الأمم المتحدة ورفع التقارير للجهات المعنية بشكل مباشر.
وفيما يتعلق بمدى التجاوب مع التقارير التي تصدرها الجهات الحقوقية في قطاع غزة، قالت: "منذ العدوان الأخير على قطاع غزة تفرض "إسرائيل" قيود على المسئولين الأمميين لدخولهم القطاع وتوثيق الانتهاكات، لذا أصبح ذلك يقع على عاتق المؤسسات الدولية والحقوقية لتوثيقها ويتم التعاطي معها والاعتماد عليها في الأمم المتحدة بشكل أساسي لإدانة الجانب الاسرائيلي، كما حدث حينما وثق الأورومتوسطي استخدام "إسرائيل" المدنيين كدروع بشرية في العدوان الأخير".
وفي النهاية، فإنه رغم التوثيق والرصد الذي تقوم به المنظمات الحقوقية والدولية، إلا أن نتيجة تحركاتهم بطيئة بعكس ما يفعله الغزيون فهم يحاولون بأبسط الامكانيات إنقاذ الوضع الكارثي خشية الوصول إلى الانفجار من خلال التكافل فيما بينهم.