أميركا "المايسترو" الحصري الذي يعزف "أوبرا" التسوية

ترمب
ترمب

غزة- محمد بلّور

في (أوبرا) التسوية تعوّدنا أن أمريكا هي (المايسترو) وإسرائيل هي (ضابط الإيقاع) بينما اكتفى الاتحاد الأوربي بلعب دور (الكورال) أو المساهمة بآلات العزف المساندة، فهل يتبّدل العرض من أمريكي بحت إلى أوروبي بامتياز؟

ومنذ نزع (دونالد ترامب) الرئيس الأمريكي فتيل القنبلة حين أعلن القدس المحتلة عاصمةً للاحتلال خرج محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية عن مواقفه الهادئة، ورفض استقبال (بنس) نائب الرئيس (ترامب) معلناً أن أمريكا لم تعد راعية للسلام.

ومنذ فترة قصيرة يحثّ عباس الخطى بحثاً عن داعمين، مستجيباً لأي جهد دولي وسياسي في ملف التسوية، وقد وجد جزءًا من سلواه في مواقف الاتحاد الاوروبي الأكثر اعتدالاً من أمريكا لكن أوروبا تقترب من ملف التسوية بحذر خشية إغضاب الذئب الأمريكي.

ورغم إعلان الاتحاد الأوروبي صراحةً أنه لن يحتل المقعد الامريكي في التسوية إلا أن دولاً أوروبية مهمة على رأسها فرنسا وألمانيا لم تكتف تاريخياً بلعب دور ثانوي فطرحت باريس قبل عام مبادرة قاطعتها إسرائيل، واستضافت روسيا مسئولين للتشاور حول دفع التسوية وحضرت بكين في المشهد عن بعد بمبادرة (الحزام والطريق).

سياسات (دونالد ترامب) الرئيس الأمريكي منذ توليه الرئاسة صادرة من قاموس عصابات (شيكاغو) أو خبرة مشاجرات في حانة بـ (وول ستريت) وذلك لأن منطق المال وعالم الابتزاز يسطع من سلوكه السياسي وتصريحاته المثيرة للجدل لذا لن يسمح باحتلال مقعد أمريكا في أصعب قضايا الشرق الأوسط.

وكان مجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي للرئيس محمود عباس قال قبل أيام انه لا يوجد حاليا اي مبادرات على الطاولة في اشارة الى ما جرى تداوله عن مبادرة فرنسية، مشدداً ان المهم الان هو ايجاد الية دولية بديلة للرعاية الامريكية التي انتهت بعد قرار الرئيس ترامب الخاص بالقدس.

المناورة الفلسطينية من عباس برفض استقبال (بنس) نائب (ترامب) الشهر الماضي والتصريح بعدم صلاحية أمريكا لرعاية التسوية يرى فيها الاحتلال وأمريكا أنه عباس آن زمان إزاحته عن المشهد.

ويؤكد محمد مصلح الباحث في الشئون الإسرائيلية أن فرنسا وألمانيا تاريخياً تشكلان محوراً للحد من قوة أمريكا وقد قدمت فرنسا مؤخراً مشروع لإحياء التسوية داعية عباس لاتخاذ موقف قبل مشاهدة صفقة القرن تمر عنوةً في الشرق الأوسط.

ويضيف: "إذا قرر عباس البحث عن بديل لأمريكا فطريقه صعب وعليه بناء تحالفات وتوازنات تجمع دعم روسيا والصين وجزء من أوروبا ودول أمريكا اللاتينية والجنوبية وتعزيز مربع تحالفات مع إيران وتركيا وهذا ليس سهلاً".

الطريق إلى تجاهل البيت الأبيض ورقة (إسرائيل) الرابحة في التسوية غير مسموح به ومسارعة الاتحاد الأوروبي للتصريح أنه ليس بديلاً عن أمريكا ولدت من فهم عميق لعدم إثارة أمريكا في هذا الملف وعيون (ترامب) تتطلع لإنجاز المجد في (صفقة القرن).

ويستبعد المحلل السياسي د.عبد الستار قاسم أن تجد السلطة الفلسطينية طرفاً لرعاية التسوية غير الولايات المتحدة الأمريكية ولو وجدت راعيا جديدا لن تقبل به (إسرائيل).

ويتابع: "لا يجب أن ننسى ان هناك اتفاقا موقعا بين أمريكا وإسرائيل بعد حرب 1973 ينص على ان أي حل للصراع في المنطقة لابد أن يكون من خلال أمريكا".

ويبدي قاسم تعجبه من ضعف القيادة السياسية الفلسطينية وعلى رأسها عباس، مشيراً إلى أن القيادة السياسية هي من تشكل مشهد الحياة بمجملها وأن القيادة الفلسطينية لا تقدم رؤية استراتيجية وحين تتعرض للمقاومة تتحدث عن مقاومة شعبية غير واضحة الأدوات والبرنامج.

صحيح أن ثمّة دورا روسيا وأوروبيا غير ضعيف في الشرق الأوسط لكن القطب الروسي الذي عاد منذ سنوات للعب دور مهم في خارطة الشرق الأوسط السياسية لم يرتق لدرجة التدخل في ملف كان دوماً من اختصاص أمريكا وشأن (إسرائيل).

وكان دبلوماسي أوروبي تحدث لصحيفة الحياة اللندنية: "أبلغ المسؤولون في بروكسل عباس بأنهم غير راضين عن إدارة أميركا لملف العملية السياسية، لكنهم لا يستطيعون أن يكونوا بديلاً لها بسبب قربها من إسرائيل".

عباس رئيس السلطة الفلسطينية بدأ في الآونة الأخيرة سلسلة لقاءات وجهود دبلوماسية لنيل الدعم من دول عظمى مثل الصين وروسيا ودول أوربية أخرى توجها بنيل مواقف متقدمة ضد قرار (ترامب) حول القدس من الاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية أخرى.

ويرى مراقبون أن عباس لن يجد راعياً للتسوية بديلاً عن أمريكا وأن استمراره في إغضاب أمريكا وتحدي مزاج (ترامب) بدأ يدفع نحو خيار إسرائيلي-أمريكي بإزاحته من القيادة.

ويؤكد طلال عوكل المحلل السياسي أن عباس أصبح مؤخرا مزعجا لـ(إسرائيل وأمريكا) في أزمة القدس لأنه اتخذ موقفا لقطع الطريق على (صفقة القرن) لذا يخططون لإزاحته وهناك تحريض إسرائيلي عميق ومستمر.

ويذكر المحلل عوكل بالحملة التي شنها (شارون) ضد الرئيس الراحل عرفات ممهدا لإزالته من المشهد السياسي والذي انتهت حياته بالاغتيال والتصفية الجسدية.

أما محمد مصلح المختص في الشئون الإسرائيلية فيرى من حصاد متابعته للإعلام والقادة الإسرائيليين أنهم يقولون إن عباس أضحى عقبةً عندما عارض المشروع الصهيوأمريكي رغم مرونته الكبيرة طوال السنوات الماضية.

ويتابع: "أتوقع مستقبل عباس سيتدحرج ومعاريف سرّبت قبل أيام أن هناك طاقم مستشارين سياسيين لترامب من دول الإمارات والسعودية وواشنطن يحاولون تجاوز عقبات صفقة القرن في ملف القدس واللاجئين".

لذا فإن رعاية التسوية هي اختصاص أمريكي بامتياز وإن بدت دول كبيرة أخرى حاضرة في المشهد وإن بقاء عباس في قيادة السلطة يعني التزامه بالتعامل مع إدارة (ترامب) وإلا فإن أمريكا و(إسرائيل) تخططان لإزاحته عندها ستكون خياراته إما الرضوخ أو حرق كافة سفن التسوية والعودة ببرنامج وطني يعزز الوحدة الفلسطينية.

البث المباشر