"لا شيء ثابت في عالم السياسة" إلا في قاموس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إذ تبدو المراوحة والمراوغة نهجاً يسير عليه رغم التحولات الدولية والمتغيرات الإقليمية، مفضلاً التعايش مع أي واقع سياسي يُفرض عليه ضمن سياسة تبدو أقرب للحفاظ على منصبه منها للتقدم بالقضية الوطنية.
ومع طي عباس عامه الثالث عشر في الحكم يُصر رئيس السلطة على التشبث بأوهام أضحت أبعد من الخيال، خاصة بعد السياسة الأمريكية الجديدة والتي لم تبق "لتسوية" اعتبرها الرجل نهجه الوحيد، شيئا على ضوء القرارات الأخيرة بحق القدس.
وما بين نهج المراوحة والتراجع السياسي يقود أبو مازن القضية الفلسطينية نحو المجهول، فمن السعي لاستئناف مفاوضات عملية التسوية والمطالبة بحل الدولتين إلى التراجع للمطالبة حد التوسل بالتراجع عن القرار الأمريكي.
على الصعيد الخارجي مازال عباس متمسكا بمشروع "التسوية" والعودة للمفاوضات ويراوغ ويكافح من أجل الحصول على شيء إلا انه أخفق، بعد فقدانه عناصر القوة التي ترغم الطرف الإسرائيلي على دفع الاستحقاقات، وفق ما يرى الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن.
ويوضح محيسن لـ"الرسالة" أن عباس فشل في التحايل على قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة أو مُجاراتها أو هضمها ووجد نفسه يتراجع إلى نقطة ما قبل الصفر، مما دفعه إلى محاولة التحرك باتجاه محاصرة الموقف الأمريكي لتحشيد الرأي الدولي ضد قرارات ترامب.
وعلى صعيد المصالحة، يصر عباس على استخدام قطاع غزة كأداة يحاول إحكام القبضة عليها حتى لا تنقلب إلى وسيلة ضغط عليه، لا سيما وأنها الوحيدة القادرة على إفشال صفقة القرن، على حد قول محيسن.
ويلفت إلى أن شراء غزة من خلال تحسينات الحياة فيها وفق صفقة القرن ودولة على حدودها يفقد عباس محوريته في القضية ومكانته السياسية مما يدفعه إلى المراوحة والمراوغة على صعيد المصالحة دون التقدم فيها أو التراجع عنها.
وهو ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني أيضا، مبينا أن هناك أزمة وعجزا واضحا وغيابا لاستراتيجية جامعة لمواجهة قرارات ترامب والكنيست وحزب الليكود مما انعكس على تأخير عقد المجلس المركزي وحتى بعد عقده واستنساخ قرارات 2015 دون تنفيذ أي منها.
ويُرجع الدجني في حديثه لـ"الرسالة" حالة التيه لدى المؤسسة السياسية وقيادة منظمة التحرير لغياب المؤسسة الناظمة التي تستمد شرعيتها من شعبها، لا سيما في مسألة السياق السياسي لعباس وتفرده بالقرار الوطني في إطار المناورة والمراوحة، وتابع " هذه سياسة اعتمدها لكسب مزيد من الوقت وبقائه في بقاء السلطة، ليس على قاعدة الراحل عرفات "المواجهة حتى الشهادة" ولا على صعيد التفريط والخيانة، بل سيبقى يناور ما بين الخطين".
ويوضح أن ذلك ينعكس بشكل سلبي على الشعب الفلسطيني الذي بات بحاجة لقيادة تتخذ قرارات مصيرية لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالقضية.
وفي ملف المصالحة يعتقد الدجني أن من يعجز في العمل السياسي الدولي لن يحقق شيئا في المصالحة، ويتجنب الاقتراب من المقاومة خشية الثمن السياسي الذي سيدفعه أو حتى الثمن المالي خاصة أن القطاع يحتاج لأموال طائلة لإنقاذ الوضع الإنساني والاقتصادي فيه.
وبيّن أن رئيس السلطة سيبقى يراوغ في هذا الملف دون أي تقدم، مستبعدا أن يتم إنجاز المصالحة خلال عهد عباس الذي سيُبقيها مجمدة حتى انتهاء أجله.
وفي النهاية يمكن القول إن الرهان على مسار عباس في قيادته للقضية الفلسطينية خاسر، وأن حل العقدة يكمن في وجود قيادة حكيمة تحارب وفق استراتيجية وطنية شاملة من شأنها أن توصل القضية لبر الأمان.