قائمة الموقع

(إسرائيل) وبولندا: إذا لم تستح فافعل ما شئت

2018-02-05T05:31:23+02:00
د.صالح النعامي
د.صالح النعامي

ردت (إسرائيل) حكومة ومعارضة بغضب شديد على القانون الذي سنه البرلمان البولندي قبل ثلاثة أيام، والذي يجرم كل من يربط بين الشعب البولندي والجرائم التي ارتكبت ضد اليهود عشية وخلال الحرب العالمية الثانية.

فقد شن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته انتقادات لاذعة لحكومة اليمين في وارسو التي بادرت لسن القانون؛ في حين تجاوزت قوى المعارضة التي تمثل الوسط واليسار في (تل أبيب) نتنياهو وطالبت بسحب السفيرة الإسرائيلية من وارسو فورا.

وقد اعتبرت نخب الحكم وقيادات المعارضة في (تل أبيب) بأن القانون البولندي يرقى إلى "جرم إنكار الكارثة".

لكن من ناحية موضوعية، فإن هناك ما يدعو للشك في المسوغات التي ساقتها الحكومة الإسرائيلية لتبرير هجومها على القانون البولندي، حيث أنه حتى بعض المؤسسات الرسمية في (تل أبيب) تشكك في مسؤولية بولندا عما ارتكبه النازيون الألمان ضد اليهود على أرضها، سيما في كل ما يتعلق بـما تطلق عليه (إسرائيل) "معسكرات الإبادة". فوزارة الخارجية الإسرائيلية، التي يقف نتنياهو على رأسها، تنفي أن يكون البولنديون مسؤولين عن هذه المعسكرات، كما نقلت "معاريف". وهذا ما خلص إليه ايضا المعلق اليميني إلداد باك في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية أوسع الصحف الإسرائيلية انتشارا، والأكثر قربا من ديوان نتنياهو.

لكن لو تم تجاوز المسوغات الموضوعية، فلا يمكن لـ(إسرائيل) تحديدا من ناحية أخلاقية توجيه انتقادات لسلوك الحكومة البولندية في أعقاب سن هذا القانون، حيث أن حكومة اليمين المتطرف في (تل أبيب) سجلت على اسمها عددا كبيرا من القوانين وأقرت العديد من الإجراءات ذات الطابع العنصري التمييزي ضد الفلسطينيين. فقد سن البرلمان الإسرائيلي منذ انتخابه عام 2015 أكثر من 70 قانونا عنصريا، بعضها تم تطبيقه وبعضها الآخر أقر بالقراءة الثالثة وينتظر التطبيق، وهناك قوانين أقرت بالقراءة الأولى.

وضمن القوانين العنصرية التي سنت في 2017 قانون يضفي شرعية على مستوطنات أقيمت على أراضي فلسطينية سيطر عليها المستوطنون بالقوة وحتى بدون إذن من الجيش والحكومة الإسرائيلية، وقانون "القدس الموحدة"، الذي بالإضافة إلى إسداله الستار على أي فرصة لتحقيق تسوية سياسية للصراع مع الشعب الفلسطيني، إلا أنه يضمن أيضا الغاء الثقل التصويتي لفلسطينيي الداخل وممثليهم في البرلمان.

إلى جانب قانون يحظر رفع الأذان، بالإضافة إلى القوانين التي تحظر التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي صيغت لتعقب الفلسطينيين دون غيرهم، ناهيك عن القوانين العنصرية المؤسسة للكيان، مثل قانون "العودة"، الذي يمنح كل يهودي (لأنه يهودي) الحق في القدوم لفلسطين والحصول على المواطنة فيها، في حين تم تشريع الكثير من القوانين التي تهدف إلى تقليص قدرة الفلسطينيين الذين لم تنجح (إسرائيل) في تهجيرهم على البقاء والصمود.

في الوقت ذاته، تصمت الحكومة الإسرائيلية عن الإجراءات العنصرية التي تقدم عليها مجالس الحكم المحلي اليهودية، حيث أن بعض هذه المجالس قد أصدرت قرارات إدارية تحظر السماح للعرب بالإقامة فيها. إلى جانب ذلك، فإن (إسرائيل) التي تقدم نفسها كـ "دولة" دشنت من أجل استقبال اليهود "الفارين من الظلم" تخرج عن طورها في سعيها للتخلص من اللاجئين الأفارقة الذين فروا من مناطق تشتعل فيها حروب وتترك هؤلاء لمصيرهم.

لكن لو تجاوزنا غياب الاعتبارات الأخلاقية والموضوعية، يدلل سن القانون البولندي، من ناحية بالاحتكام للواقعية السياسية، على أن رهان (إسرائيل) على العلاقة مع قوى اليمين المتطرف التي صعدت للحكم في أوروبا في غير محله. فـ(إسرائيل) التي تبدي كل هذا الانزعاج من حكومة اليمين في وارسو، هي ذات الحكومة التي سمحت للأحزاب والحركات المشاركة فيها بتعزيز العلاقات مع أحزاب وحركات اليمين المتطرف التي صعدت للحكم في أوروبا خلال الأعوام الماضية على قاعدة معادة العرب والمسلمين. ويباهي قادة اليمين الديني والعلماني في (إسرائيل) بعلاقتهم الوثيقة بخيرت فيلدز، زعيم اليمين المتطرف في هولندا، الذي يزور (إسرائيل) مرتين على الأقل في العام، ناهيك عن أنه يجاهر بفخره بأنه تطوع في صباه في العمل في إحدى المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية في منطقة "غور الأردن". وقد استقبلت قيادات في حزب الليكود الحاكم قيادات في الجبهة الوطنية التي تقودها زعيم اليمين المتطرف في فرنسا عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ودافع قادة الليكود عن العلاقة مع حزب لوبين، حيث اعتبروا أن هذا ما يقتضيه توحيد الصفوف في مواجهة "الإسلام المتطرف".

ومما يدلل على نفاق الحكومة الإسرائيلية حقيقة أن قناة التلفزة الإسرائيلية الأولى، قد كشفت العام الماضي النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية على الرغم من تحفظها بشكل علني على العلاقات مع أحزاب اليمين المتطرف، إلا أنها تحث وتدعم التواصل بين أحزاب اليمين الإسرائيلي وتلك الأحزاب.

اخبار ذات صلة
مَا زلتِ لِي عِشْقاً
2017-01-16T14:45:10+02:00