عشرون دقيقة فقط، كانت كفيلة أن تصلنا خلالها صرخات الحياة الأولى لعصام، ذاك الطفل الذي اختار له والده الاسم دون أن يتردد أو يفكر، فقط لأنه اسم لسيدة يعتز بها!
كما اعتزاز والده بزميلته عصام الحسيني، كبر عصام يونس ليعتز باسمه، ويؤكد بــقوله: "أعتز بأني ابن لامرأة وأخ لامرأة وزوج لامرأة وأب لامرأة ".
بعيدًا عن منصب "يونس" كمدير لمركز الميزان لحقوق الانسان في غزة كان حديثنا معه، لنكتشف ما يخفيه في ثنايا شخصيته، ومعركة تمرده على "الخبيث"!
عصاميّ وكيميا!
يعتقد الى حد كبير أنه كان عصاميًا هز رأسه مرتين مؤكدًا بـــ نعم"، خاض غمار الحياة كما أبناء جيله في تحديات صعبة كما أوضح.
أوائل الثمانينات أنهى الدراسة في جامعة بيرزيت، وكانت محطة الدراسة الثانية في تسعينات القرن الماضي في بريطانيا.
لسنوات في مؤسسة الحق في رام الله كان عمل عصام هناك، يؤكد بأنها تعد من أولى المؤسسات الرائدة في حقوق الانسان عربيًا.
فرض السؤال نفسه هنا: " لو لم تكن رجلًا حقوقيًا لكنت فنانًا بريشة؟، كلاهما في نظر عصام هواية وليس احتراف، لاسيما وأنه يؤمن بأن بداخل كل منا فسيفساء من الشخصيات "قارئ كاتب حالم فنان شاعر تتغير مع الزمن والثقافة.
العصاميّ الذي اعتاد على القراءة والتدوين يقول:" لو لم أكن ما أنا لكنت ما يحقق ذاتي".
تلك الكيميا بين مجال عمله في الحقوق حيث يناضل من أجل حقوق الضعفاء والضحايا، وبين لوحاته الفنية المصنوعة من سيقان القمح نضال من نوع آخر تبعث السلام وتجسد الجمال.
الى سيقان القمح هرب "عصام" بمقصه وفكرته، كان يدرك بأننا نحب الورد، لكننا نحب القمح أكثر!
التعامل مع منتج الطبيعة خال من أي رتوش أو ألوان، وهي علاقة "عصام" بسيقان القمح، يبهجه لونها الذهبي.
يتحكم فقط بدرجة اللون، الا أنه لا يتحكم بالفوضى التي تنتج إثر ساعات انتاجه للوحة في البيت، يشير الى احدى لوحاته المعلقة ويبتسم ثم يعلق:" الفوضى تُربك الآخرين، زوجتي ام باسل والأبناء في حالة غضب ورفض من فوضاي، ولكن هذا قدرهم وبدهم يتحملونا".
لوحة تنتظر "تشطيب" اطارها، تستقبلك في زاوية مكتبه اليمنى كتب في صدرها، "ما أكرمهن الا كريم وما أهانهن إلا لئيم" وكأنها رسالة لكسب رضا أم باسل بالفوضى التي تعيش مع كل لوحة!
معركة السرطان!
خارج فضاء العمل، تحدثنا عن المرض، وتمرده على الخبيث الذي اجتاح جسده، يقول:" نعم السرطان أعطاني الكثير وأخذ مني القليل(...)أرى في المرض فرصة لإعادة اكتشاف الذات".
وصفه للسرطان بأنه زائر غريب اعتدى عليه بأشكال مختلفة، كان موفقًا حيث يفسر: "من البديهي ألا نسكت له، وعلينا خوض معركة بمنتهى الكبرياء والأنفة حتى نستطيع أن نعلن الانتصار".
عصام لم ير من المرض قبحه وأناته فقط، بل تعرف على أحد الأوجه الجميلة للمرض هو اكتشاف مخزون المحبة ممن نعرف أو لا نعرف، تتسع رقعة ابتسامته وهو يؤكد لنا بأنه تعامل بانتهازية للحصول على المزيد من المحبة، رافضًا أن يكون ضحية، فلقد تألم لوحده حفاظًا على كبريائه الذي انتصر على "الخبيث".
الآه لم يزفرها أمام المرض فحسب، بل سكنت قلبه آهات متتالية بعد أن قتلت صواريخ الحقد "الإسرائيلية" والده وأفراد من عائلته في مدينة رفح أثناء العدوان الأخير على غزة عام 2014.
أنت تريد العدالة حتى للعملاء الذين تم اعدامهم مؤخرا الذين كانوا سببًا في استشهاد والدك؟ أجاب بهدوء:" لنتفق بأن العدالة ليست انتقام، والعمالة جريمة من أخطر الجرائم وأبشعها، نحن دعاة لإعمال القانون، العميل لابد أن يقدم الى المحكمة لتتوفر له ضمانات الدفاع".
كويس بس!
ذات مرة كتب عصام "ياسر عرفات كويس بس لو إنه ما عملش أوسلو، ومحمود درويش كويس بس لو إنه مش علماني، ويحيى السنوار كويس بس لو إنه مش حماس" يريد أن يوضح من مقاله أننا وفي معرض تناول كل الأشياء ننظر للجانب المظلم في حياة كل هؤلاء القادة فقط. الجدية كانت جلية على ملامح وجهه وهو يردد: "الأخطر هو أننا نريد أن نكون صورة من بعضنا البعض ولا نقبل الاختلاف".
"عصام يونس كويس بس؟" امتزجت ضحكته بسؤالنا:" لو ترك التدخين؟"، المؤكد بالنسبة له "أن التدخين عادة سيئة ونصبح عبيدًا لها، الحياة دون السجائر دون شك أفضل، الأمور تسير بشكل جيد بعد أن تركته منذ أيام".
رسالة الحياة والعطاء التي حاول ايصالها عصام يونس في تنقلاته وعمله وهوايته ومرضه، كانت مقدرة من الناس بعد أن طوى عامه الماضي كمفوضًا عامًا للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، وتجاوزه للمحنة بسيقان القمح التي يتمنى أن يحقق بها حلمه بإتمام لوحة بانورامية بعنوان "غزة كما أراها".