تتفاعل قضية "التجسس الإلكتروني" من جديد، وذلك بعد أن طالت قيادات بارزة في حركة فتح والسلطة برام الله، ممن سبق لهم أن مارسوا هذا النوع من التجسس على خصومهم السياسيين، حيث كانت وسائل إعلام متعددة نشرت تقارير تفضح قيام الأجهزة الأمنية التابعة لرئيس السلطة محمود عباس، بالتجسس على مواطنين وقيادات فلسطينية خدمة للتنسيق الأمني.
ومؤخراً، قدّم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومدير المخابرات الفلسطينية السابق، توفيق الطيراوي، دعوى ضد السلطة الفلسطينية، يزعم فيها أن السلطة تجسست عليه بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، حيث أكد النائب العام للسلطة أحمد براك، تلقيه للدعوى، لكنه رفض التعليق.
وقال الطيراوي لوكالة "أسوشييتد برس"، إنه تفحص جهات اتصالاته ويعتقد أن الوثيقة صحيحة، ورفضت (سي آي إيه) التعليق، كما رفض الناطق الرسمي باسم أجهزة السلطة اللواء عدنان الضميري التعليق باعتبار ذلك "هراء".
وكانت قضية التنصت وتسريبات مكالمات المواطنين هزت الرأي العام الفلسطيني، وكشفت لأول مرة عن خفايا وأسرار "وحدة المراقبة الإلكترونية" التابعة لأجهزة أمن السلطة التي قامت بهذا الدور بالتعاون مع جهات خارجية تعمل لصالح الاحتلال.
أبعاد سياسية وأمنية
ورغم كل ما تسرب وتكشف من معلومات تؤكد حدوث عمليات التنصت عبر وحدة أمنية تابعة للسلطة، إلا أن يحيى رباح القيادي بحركة فتح، حاول النفي والادعاء أنه لم يسمع بذلك، داعيا إلى الترفع عن ما وصفها بـ"الصغائر"!.
وعد رباح في حديثه المقتضب لـ"الرسالة نت" تقديم الطيراوي بلاغاً بشأن التنصت على مكالماته "غير دقيق"، مضيفاً " من المفترض في المرحلة الحالية استعادة صورة القضية الفلسطينية وعدم الالتفات إلى الشائعات التي من شأنها تعطيل المسيرة".
من ناحيته، أكد داوود عابدين أمين عام مجلس نقابة المحامين في الضفة، أن الطيراوي قدم دعوى ضد السلطة الفلسطينية، كما الدعوة السابقة التي قدمها نقيب المحامين جواد عبيدات.
وعبر عابدين لـ"الرسالة" عن اعتقاده بأنه -حتى اللحظة-لم يتم تحريك ساكن في البلاغ الذي تقدمت به نقابته للنائب العام، مبيناً أنه حتى لم يتم وضعهم في الخطوات التي اتخذها أو التي من الممكن أن يتخذها النائب العام بالخصوص.
وتابع أنه "مازالت هناك حالة تكتكم شديدة على بلاغ النقابة والبلاغات الخاصة بالشكاوى من عمليات التنصت"، مؤكداً أن هذا يؤشر إلى حالة قاسية من التغول والتردي للحريات العامة في الضفة الغربية، مبيناً أن قضية التنصت ربما تحمل أبعاداً سياسية أو أمنية، فالتنصت على شخص سياسي قد يجد مبرراته اللاأخلاقية ولكن أن تشمل نقابات وأشخاص ومواطنين عاديين، فإن ذلك يُعد شكل آخر من أشكال التراجع الأخلاقي، على حد تعبيره.
وأضاف عابدين: "الجانب الحقوقي واضح في أن التنصت على خصوصيات المواطنين جريمة أخلاقية قبل أن تكون قانونية"، مركزا على أن المشكلة تكمن في ضرب المنظومة الأخلاقية، مما يعني تهديد الاستقرار الاجتماعي.
وكمن سبقه ووفق متابعته، أكد عصام عابدين المستشار القانوني في مؤسسة الحق، أن ليس هناك جديد فيما يتعلق بالبلاغات المقدمة للنائب العام بخصوص الشكاوي من قضية التنصت، مشيراً في حديث مختصر لـ"الرسالة" إلى أن مؤسسته صدرت موقفها للرأي العام وطالبت الحكومة بالتوضيح، ومن المفترض أن يجري التحقيق ومساءلة المتورطين ومحاكمتهم.
وجاءت الدعوات القضائية بعد انتشار وثيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يقول ناشروها أنها تسربت من السلطة الفلسطينية، وتشمل 37 صفحة، احتوت على صور ومعلومات شخصية وتفريغ لمكالمات هاتفية منسوبة لهم.
وتؤكد الوثيقة أن ثلاثة من عناصر الأمن الفلسطينيين شكلوا وحدة مراقبة إلكترونية منتصف 2014، وراقبوا هواتف آلاف الفلسطينيين، من كبار الشخصيات في الفصائل الفلسطينية وحتى القضاة والمحامين وقادة المجتمع المدني وسياسيين من مختلف الأطياف.
ويصف واضع الوثيقة نفسه بأنه عضو سابق بوحدة المراقبة استقال من "وظيفته القذرة" منذ عدة أشهر بسبب تصاعد معارضته لممارسات السلطة الفلسطينية، ومن ذلك التعاون الاستخباري مع الولايات المتحدة.
في إطار التنسيق الأمني
ولم يستبعد اللواء متقاعد يوسف شرقاوي أن يكون عمل وحدة التنصت التابعة للسلطة، وراء الكشف عن العديد من العمليات الفدائية في الضفة ومنفذيها، عادا السرعة في كشف العمليات وتتبع المقاومين يضع علامات استفهام كثيرة على عمل هذا الوحدة.
وعبر شرقاوي في حديثه لـ "الرسالة نت" عن أسفه لتورط حركة تدعي أنها حركة تحرر في التعاون مع الاحتلال وتنسق أمنياً معه ومع جهات خارجية، متسائلاً "كيف لحركة تحرر أن تكون مرتبطة بالسي آي أيه؟".
ورأى في مسألة التنصت على الطيراوي تحديدا "درسا قويا للطيراوي الذي كان يتنصت على كثير من القيادات في السلطة وفتح ومنهم رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة الفلسطينية السابق"، مذكراً بأن الطيراوي طلب من النائب العام التوقيع على استقالته قبل تعيينه في منصبه!
ودعا شرقاوي إلى أن يكون للمواطنين الفلسطينيين في الضفة موقفهم الرافض بقوة لهذا الدور من التجسس، مطالبا بتعديل المسار وانتهاج طريق آخر للتحرر عبر المقاومة والعصيان المدني.
وقال " ثبت أن منظمة التحرير مآلها التعاون مع العدو عبر التنسيق الأمني والمخابرات المركزية الأمريكية(..) عباس رئيس تحت الاحتلال وعليه أن ينظر بجدية لوضع السلطة المخزي"، على حد تعبيره.