الاعتقاد السائد هو أن حرب لبنان ثالثة هي أمر محتوم، لكن يجب عدم شنها، والبديل هو وضع هدف استراتيجي طموح يمكنه منع الحرب بدل تأجيلها المؤقت.
بعد وقت قصير من اختراع الديناميت في العام 1867 أصيب الفرد نوبل بالإحباط. فقد تبين له أن المادة التي أنتجها في مصانعه غيرت ساحة الحرب وحولتها إلى ساحة اكثر فتكا. احساسه الصعب أدى الى قراره أن يورث تقريبا كل امواله لتأسيس صندوق جوائز نوبل. لقد كان شخص يحب السلام، حاول أن يجد العزاء في العقلانية، وعبر عن أمله أمام احد نشطاء السلام بأن اختراعه سيساهم في الاستقرار: "مصانع الديناميت التي املكها ستؤدي الى انهاء الحروب... في اليوم الذي يستطيع فيه الجيشان تدمير احدهما للآخر، ستتوقف كل الشعوب عن الحرب"، مقولته هذه كانت الصيغة الاولى للمفهوم الذي عرف مستقبلا بـ "تدمير متبادل مضمون"، الذي بنيت عليه رؤيا الردع النووي. إن رؤيا نوبل تتجسد بدرجة معينة الآن في منطقتنا؛ بين (إسرائيل) وحزب الله يوجد ميزان رعب يقوم على السلاح التقليدي، يستخدم صيغا متطورة من الديناميت. قوة التدمير المتبادلة التي ظهرت في حرب لبنان الثانية ما زالت تدوي في الوعي. منذ ذلك الحين وحتى الآن طور كل طرف افضلياته النسبية، وكل طرف يفهم بصورة افضل قوة التدمير الممكنة التي توجد في أيدي عدوه.
هدف الحرب هو تحقيق سلام افضل"، قال المنظر العسكري البريطاني بازل لدلهارت. من الصعب "توقع تحقيق سلام افضل" اذا اندلعت حرب لبنان ثالثة. في نهايتها من المعقول حقا أن (إسرائيل) وحزب الله سيدعيان تحقيق انجازات عسكرية، ولكن المعنى الحقيقي لـ "الانتصار" يقاس بمعايير مدنية: امكانية مواصلة حياة هادئة وعادية لزمن طويل. الحرب ستنتهي بهزيمة متبادلة في "الجبهة المدنية". كل طرف يتوقع أن يدفع ثمنا باهظا، اجتماعي واقتصادي. والامر سيحتاج فترة طويلة لاعادة الاعمار، التي في نهايتها سيتشكل كما يبدو وضع راهن متوتر، يشبه في افضل الحالات الوضع القائم.
التحليل المنطقي هو أن حرب اخرى مع حزب الله هي محتومة، وفقط التوقيت غير معروف. ولكن التسليم العقلي بافتراض أن الحرب ستنشب، هو مثل الاعتراف مسبقا بخسارة مدوية على المستوى المدني والوطني. البديل ليس التنازل، ووضع هدف استراتيجي طموح: منع حرب بدل تأخيرها المؤقت. إن تحقيق هذا الهدف يرتبط بثلاثة عناصر: ردع حزب الله، الامتناع عن شن حرب اختيارية وحساب دقيق للخطوات، بحيث لا تؤدي الى التصعيد. (إسرائيل) تقوم مؤخرا بتعقيد المعضلة، وتعطي اشارات لامكانية القيام بعملية وقائية في لبنان. افتراض أن الطرفين غير معنيين بالتصعيد، يبدو أنهما سيحتاجان الى توضيح بأن هذا ايضا هو نية الطرف الآخر. ولكن ليس مثلما هي الحال في فترة الحرب الباردة الاصلية - بين القدس وبيروت لا يوجد خط تلفوني احمر. وجود روسيا في سوريا خلق حقا تعقد اقليمي لـ(إسرائيل)، ولكن ربما سيمكن من التوسط بين الطرفين، بما في ذلك ايران، من اجل منع حسابات خاطئة. هجوم اسرائيلي في لبنان أو في سوريا من شأنه بالتأكيد أن يستدعي رد مضاد من حزب الله، لكن اذا تم تفسيره بأنه متناسب فسيكون بالامكان امتصاصه.
حزب الله بدأ كمنظمة "ارهابية" وتطور ليصبح جيشا ناجعا وحزبا سياسيا سيطر على لبنان. صحيح أن هذه المنظمة تعتمد على ايران، لكن اعتبارها لواء ايراني هو اعتبار مبسط. المصالح الداخلية - اللبنانية تملي بدرجة كبيرة سلوكها. هي تلتزم بمصالح السكان الشيعة وهدفها هو الحفاظ على قوتها وتعزيزها. سيطرة حزب الله في البرلمان بعد الانتخابات في ايار القادم ستعتبر تطورا سلبيا، لكن الهيمنة السياسية له ستفرض عليه مسؤولية ثقيلة حول مصير لبنان. منذ انسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان فان حزب الله لم يشن حرب ضد (إسرائيل)، وليس هناك ما يشير بأنه مستعد للمهاجمة وتعريض وجوده للخطر. في المعركة على الرأي العام يلعب حسن نصر الله دور اساسي. فهو يقود المنظمة منذ 26 سنة، و"عقيدة الضاحية" التي استخدمت في صيف 2006، تركت لديه كما يبدو انطباع كبير. وكما نذكر، اعلن بعد الحرب أنه لو كان يعرف أن (إسرائيل) سترد على عملية الاختطاف في الحدود، لما كان نفذها. نصر الله هو عدو مر، لكنه ايضا شخص ذكي ومنطقي ويتعلم من الاخطاء. المصلحة الاسرائيلية هي أن يبقى في منصبه، من سيأتي محله يمكن أن يكون أقل ارتداعا وأقل قدرة على اجراء الحسابات.
دعم طهران لحزب الله هو امر حيوي له، على المدى البعيد يجب الانتباه للتوجهات الداخلية الايجابية في ايران والتي من شأنها أن تكبح حزب الله. الدعوات التي أسمعت في المظاهرات الاخيرة ضد التدخل الاقليمي تعبر عن جدال داخلي في ايران، الذي سيشتد مع مرور الوقت. في السنوات القادمة ربما يتم تعيين زعيم جديد بدل خامنئي المتصلب. أحد المرشحين هو الرئيس روحاني الذي يتطلع الى وضع حد لقوة حرس الثورة الايراني ودمج ايران الكامل في المجتمع الدولي. وفوق كل شيء، في ايران تواصل التبلور اغلبية جماهيرية تعارض طبيعة وتصرف النظام، وهذا من جانبه مضطر الى أن يولي اهتمام اكبر بالرأي العام والوضع الاقتصادي من اجل أن يكتب له البقاء. من غير المعروف كيف ستنتهي هذه العملية، لكن في كل الاحوال يجب العمل حسب استراتيجية منع الحرب، ونجاح هذه الاستراتيجية مرتبط اساسا بـ(إسرائيل).
رونين دنغور - هآرتس
عكا للشؤون الإسرائيلية