بين مشاهد الأشلاء المتناثرة وتوثيق جرائم القتل، والتقاط مشهد "النفس الأخير" لمحكومين بالإعدام، تنقلت عدسة الكاميرا للشاب خالد مهنا، لتلتقط وتوثق أفظع الجرائم التي هزت المجتمع الغزي، ولحظة تنفيذ الحكم بحق المجرمين، وكما كانت كتفا الى كتف بجوار البندقية التي تداهم وكر تجار المخدرات، والعدسة الأولى التي التقطت عدوان 2008م.
رحلة البحث عن "توثيق الجريمة" بدأت عام 2007، عندما انضم المصور "مهنا" إلى الشرطة الفلسطينية، وتخصص في العمل داخل المكتب الإعلامي للشرطة، لتبدأ أولى محطات التجربة في حياته.
تمثلت أولى المحطات أثناء التقاط عدساته للحظات الأولى لعدوان 2008، حيث كان أول من وصل الى ساحة التدريب التي حدثت فيها معالم الجريمة الاسرائيلية، حين استهدفت حفل تخرج للأجهزة الأمنية في تلك اللحظة.
"لم يكن سهلا عليك أن تشاهد أصدقائك وقد تحولوا الى أشلاء متناثرة، وأن تجد الدماء محاطة بك من كل جانب"، هكذا يصف خالد رحلة التوثيق الأولى في حياته المهنية لجريمة إسرائيلية بشعة ارتكبت بحق زملاءه في مدينة "عرفات للشرطة" والمتعارف عليها بـ "الجوازات".
وشكّلت هذه المجزرة علامة فارقة في حياة خالد، إذ يحكي لـ "الرسالة": "تركت صدمة لم تمحَ، حيث تنقلت بعدسات كاميرتي بين أصدقائه إما شهيدا أو مصابًا أو من ينطق الشهادتين كما الحال مع رئيس الشرطة آنذاك الشهيد اللواء توفيق جبر".
ويصف خالد تلك اللحظات بـ "الأكثر قسوة" في مسيرته المهنية، "فقد بتُّ في حيرة كبيرة من أمري هل أذهب لإسعاف أصدقائي الذين كنت اشاركهم فرحة التخرج قبل لحظات قليلة من الجريمة، أم أوثق بعدساتي هذه الفاجعة، وعندما هبّ الجميع لمكان الحدث اخترت أن أمسك بكاميرتي كي توثق أفظع جريمة ارتكبت في غزة".
وكسرت هذه الجريمة حاجز الخوف والقلق لدى المصور "مهنا"، الذي باتت توكل اليه مهام توثيق الجرائم، بحكم عمله في المكتب الإعلامي للشرطة، فتارة يوثق عمليات دهم لمتهمين بالإتجار بالمخدرات، وأخرى توثيق مشاهد تمثيل لجرائم قتل، والأصعب تصوير تنفيذ احكام الإعدام في غزة.
وشكلت هذه المهام لحظة فارقة في حياة المصور، الذي استلّ كاميرته في ميادين المواجهة الأمنية، إلى جوار رجال الأمن الاخرين في مهامهم الأمنية، وفي أحيان كثيرة تعرضت حياته لخطر حقيقي، كما يروي.
ويسرد "مهنا" أفظع المواقف التي وثقتها كاميرته في تمثيل جرائم القتل، وكانت أول محطاته توثيق جريمة الشاب الذي قتل أبويه قبل عدة أعوام في غزة "حينها شعرت برعشة قوية في جسدي وأنا أصور مشاهد التمثيل، لأول مرة ألتقي بشخص منزوع الإنسانية".
ثم أصبح الأمر اعتياديًا لديه في توثيق جرائم أكثر بشاعة بعضها ترك بصمة في حياته، كجريمتي قتل المسنة ام بسام البدري، وشفا سالم، نظرًا لبشاعة الجريمتين وتفاصيلهما، حيث أن الأولى قتلها الجاني بدم بارد عن طريق قطع شرايين يديها، وتركها تنزف حتى الموت، أما الثانية فقد اشترك في قتلها جارها، وكانت قد قدمت مساعدات لعائلته في ذات اليوم الذي أقدم فيه على قتلها.
وتنقل بعدسات كاميرته إلى أصعب محطات حياته كما يقول، وهي تلتقط تنفيذ أحكام الإعدام "فكم هو أمر مؤلم وأنت تصور شخصا يصعد إلى سلم المشنقة، وهو يقاد إلى الموت، وتبدأ بتوثيق لحظات نفسه الأخير" كما يصف "للرسالة".
والأشد صعوبة تلك اللحظة التي يتم فيها تنفيذ الحكم حيث يغمض الجميع عينيه، الا "مهنا" حيث يتوجب عليه في هذه اللحظة أن يلتقط مشهد خروج الروح، "فهذه اللحظة التي يتوقف فيها عقلك وقلبك عن كل شيء، وتتوقف عن التفكير سوى تخيل ماذا يدور في ذهن هذا الشخص وهو يقاد لآخر لحظات حياته".
ويستذكر أكثر المواقف تأثيرا به، "هو تبرع أحد العملاء الذين جرى تنفيذ حكم الإعدام بهم بإحدى كليتيه، وكان ذلك طلبه الأخير قبل تنفيذ الحكم بدقائق".
ورغم صعوبة هذه المواقف على خالد، الا انه عصي أمامها على الحزن والخوف كما يقول، ولكن دموعه تنهمر أمام نقطة ضعفه وهي لحظات توديع أطفال الشهداء لأباءهم وذويهم، "فهنا لا أمسك نفسي وتخونني عبرات دموعي".
ولعل أكثر ما يثير الغرابة في رحلة "مهنا" هو تخصصه بمهنة التصوير، رغم التحاقه قبل ذلك في الأجهزة الأمنية كشرطي، وتخصصه الجامعي في قسم التربية العلوم!".
تناقضات قبل بها المصور "مهنا" إرضاء لرغبة والديه المدرسين ليلتحق بقسم التربية، لكنّه احتضن موهبته التي حصدت له خمسة جوائز حتى هذه اللحظة، ويحلم أن تذهب به نحو النجومية العالمية كما يحلم.