في مدخل سوق الشيخ رضوان بغزة، تمكن الشاب "يزيد عادل" -23 عاما- من ايجاد مساحة صغيرة ليصف صناديق المشروبات الغازية وبيعها لرواد السوق بسعر بسيط، مناديا "أروي عطشك بنص شيكل بس"، فيقترب الزبائن لاسيما الصغار بصحبة ذويهم، لكن جملته تثير الشكوك لمعرفة سر بيعها بثمن قليل مقابل سعرها المضاعف في المحلات التجارية.
"الرسالة" لاحظت أن المشهد يتكرر لأكثر من شهر، ووجدت أن صناديق المشروبات تعرض طيلة الوقت تحت أشعة الشمس دون ثلاجات تحفظ برودتها كما هو مدون أسفل كل علبة صغيرة "يجب حمايتها في مكان بارد".
عند سؤال "يزيد" عن غياب الثلاجات لحفظ المشروبات، كانت إجابته تنم عن جهله بالخطر الذي قد يلحق بالزبون نتيجة تناوله لمشروبات غازية معرضة لأشعة الشمس لساعات طويلة، لاسيما وأنه لم يجد من ينصحه أو يحذره من فعلته سواء من الزبائن أو الجهات الرقابية المختصة.
الشاب "يزيد" الذي يساعد والده في بيع صناديق المشروبات الغازية، ليس الوحيد الذي يعرض المشروبات الغازية لأشعة الشمس، حيث يعمد الكثير من البائعين إلى تحويل مقدمة محالهم التجارية إلى ما يشبه مستودعا مكشوفا لعبوات المياه والمشروبات الغازية والعصائر دون أي اعتبارات لتلفها أو ما تتعرض له من تفاعلات جراء عرضها طيلة ساعات النهار أمام المحل.
الصحة: فحص المشروبات يأخذ تركيزا لخطورة فسادها
"استهتار" بعض الباعة وشركات تصنيع عبوات المشروبات الغازية والعصائر، التي تسمح بعرض منتوجاتها تحت أشعة الشمس بحثا عن الربح السريع، فضلاً عن عدم متابعة الجهات الرقابية لجميع المحلات المخالفة لشروط التخزين، جميعها أسباب تساهم في احتمال إصابة مستخدمي تلك العبوات بأمراض خطيرة.
"الرسالة" بحثت في أضرار تعرض المشروبات الغازية لأشعة الشمس على صحة الانسان، والدور الرقابي لوزارتي الصحة والاقتصاد في تجنب هذه المخاطر من خلال حث التجار على طرق حفظ سليمة في المستودعات وأماكن البيع.
بائع البقالة في بيت لاهيا أبو خالد، يرى أن الجهة المصنعة هي المسؤولة عن صلاحية المحتوى في العبوات الغازية أو العصائر التي يشترونها، قائلاً: "أنا بائع ولست مُصنعاً".
وفيما يتعلق بتعرض المشروبات الغازية لأشعة الشمس، أوضح أبو خالد أن طواقم التفتيش حثته على وضع مظلة أمام محله لحماية المشروبات المعروضة على باب دكانه من أشعة الشمس، وتابع قوله: "نعلم جيدا وجود تجار لا يهتمون بطرق التخزين والبيع، ولا يعنيهم سوى زيادة أرباحهم ولكنهم قليلون".
لتجنب الخطر
وخلال البحث عن أحد موزعي المشروبات الغازية التقينا أبو عمر أبو وردة، الذي لديه علم بكيفية حفظ المشروبات، فهو من أهم الخطوات الواجب اتباعها لضمان سلامة المنتج ووصوله للمستهلك أن يكون صالح للاستخدام.
يقول أبو وردة: "إن المشروبات الغازية تحتوي على مواد عضوية وغازات تحتاج لطريقة حفظ بمواصفات معينة لضمان بقائها سليمة، وفي حال لم تلتزم بالشروط فإن المنتج سيفسد".
ولفت إلى أن المشروبات سريعة التأثر بالظروف الجوية المحيطة، وخصوصا في أوقات الحر، "وفي حال فسدت تأثر بشكل ضار جدا على صحة الانسان، لذلك نكون حذرين جدا في طرق تخزينها".
الاقتصاد: المشروبات الغازية المعرضة للشمس تفرز مادة تضر بالصحة
وبيّن أن تعرضها للشمس يغير من لونها وطعمها ويزيد من نشاط الأحياء الدقيقة فيها ما يجعلها وسطا ناقلا للأمراض التي تحتويها فيصبح استهلاكها خطرا على صحة المستهلك.
وبعد الخطر الذي لمسته "الرسالة" خلال جولتها في أسواق القطاع، طرقت باب المهندس زكي مدوخ رئيس قسم مراقبة الأغذية بوزارة الصحة، الذي أكد أن وزارته تجري جولات تفتيشية بشكل يومي على المحال التجارية لفحص صلاحية جميع المواد.
وذكر مدوخ أن فحص المشروبات الغازية يأخذ تركيزا كبيرا من طواقم التفتيش بالنظر لخطورة فسادها على صحة الانسان، وحاجتها لظروف تخزين معينة بعيدة عن أشعة الشمس والرطوبة، وتابع "في حال عرضت المشروبات الغازية خارج المحلات يتم فحص مدى صلاحيتها للاستهلاك، وإعطاء تحذير لصاحب البقالة بمنع وضعها تحت أشعة الشمس".
ولفت إلى أن دائرة الرقابة تعمل من أجل وصول المنتج إلى المستهلك بشكل سليم، خاليا من الأمراض التي تضر بصحة الانسان، مشيرا إلى أن تعرض المواد الغذائية وخاصة العصائر والمشروبات الغازية لأشعة الشمس يعرضها لتفاعلات كيماوية تؤثر على صلاحيتها، لاسيما أنها تحوي عددا قليلا من البكتيريا وإذا ما تعرضت للشمس فإن ذلك يضاعف البكتيريا بداخلها بصورة كبيرة جدا ما يؤدي إلى انتفاخها وارتفاع الحموضة.
وفي ذات السياق، شرحت مديرة دائرة التغذية في وزارة الصحة الدكتورة سمر النخالة أضرار المشروبات الغازية على صحة الانسان، قائلة: "المشروبات الغازية عبارة عن سوائل تحتوي كميات كبيرة من السكريات أي الخالية من القيمة الغذائية".
تاجر: نتبع الإجراءات التي تمليها علينا طواقم التفتيش في تخزين المشروبات
وأوضحت أن المشروبات الغازية تعيق امتصاص عنصر الحديد وذلك بسبب احتوائها على مادة الكافيين، مما يساهم في الإصابة بفقر الدم.
"وقد يكون للمشروبات الغازية أيضا تأثير على امتصاص الكالسيوم، مما يؤثر على بناء العظام وخاصة في سن الطفولة والمراهقة"، بحسب قول الطبيبة المختصة.
وبينت أن الضرر الأكبر للمشروبات الغازية يتمثل في احتوائها على كميات كبيرة من السكر، "فعلبة واحدة من المشروبات الغازية (330 مل) تحتوي على ما يعادل 40 غراما من السكر، أي أعلى من إجمالي كمية السكر المسموح بها للطفل في اليوم".
ووفق النخالة؛ تؤكد الدراسات العلمية أن زيادة استهلاك السكر يسبب السمنة، وبالتالي زيادة معدل الإصابة بالسكري وأمراض القلب، بالإضافة إلى تسوس الأسنان بين الأطفال والبالغين.
تنتج مواد سامة
وفي دراسة أعدها الدكتور سامي الخطيب أمين سر الرابطة العربية لمكافحة السرطان جاء فيها، إن الحرارة تتفاعل مع المواد الكيميائية في البلاستيك الموجود في عبوة المياه والمشروبات الغازية، فتحرر مادة خطرة يطلق عليها (الديوكسين) وهي شديدة السمية وتسبب سرطانات مؤكدة، وبخاصة سرطان الثدي.
بائع: أجهل خطورة تعريض المشروبات الغازية لأشعة الشمس ولم أتلق تحذيراً
ويدعو الخطيب إلى منع عرض العبوات تحت أشعة الشمس، بغض النظر عن وجود موجة حر أم لا، "حيث تعمل درجات الحرارة العالية على تحليل العناصر داخل العبوة البلاستيكية، لتتحول إلى مواد مسرطنة"، خاصة وأن حبيبات "البولي إيثيلين"، أو "البتوتبين" تستخدم في صناعة الزجاجات البلاستيكية، وتحتوي على أحد العناصر المسرطنة يسمى "ديثيل هيدروكسلامين".
وفي ورشة عمل سابقة، أقيمت في الضفة المحتلة، كشف مختصون في مجال الصحة العامة وحفظ المواد الاستهلاكية عن مخاطر تهدد صحة المواطنين جراء سوء تخزين المشروبات بمختلف أنواعها خلال عملية استيرادها من الخارج عبر المعابر الحدودية التي تأخذ وقتا طويلا قبل السماح بإدخالها للأراضي الفلسطينية، ما يجعلها عرضة لأشعة الشمس وظروف بيئية تؤثر على محتوياتها وجودتها الصحية.
وشددوا على أهمية تفعيل آليات الرقابة المحلية في ملاحقة التجار والباعة الذين يعرضون المشروبات بمختلف أنواعها أمام محالهم التجارية ما يعرضها للتلف وفقدان قيمتها الغذائية بسبب أشعة الشمس وما ينتج عن ذلك من تفاعلات كيماوية.
مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد المهندس زياد أبو شقرة، ذكر أن خطر تعرض المشروبات الغازية للشمس يتمثل في أمرين، أولهما مخاطر تحلل مادة المشروب نفسه، والثاني من تفاعل العبوة البلاستيكية مع المادة.
وقال أبو شقرة: "حدوث الأمرين السابقين يؤدي إلى تكوين مواد سامة تشكل خطرا كبيرا على صحة الانسان"، موضحاً أن كثافة المواد المكونة منها المشروبات تخف، "فكل مادة غذائية لها درجة حفظ معينة وبالتالي في حال تغيرت درجات الحفظ تفقد المكونات تجانسها وتتعرض العبوة لضغط ينتج عنه تفاعل في المواد العضوية داخل العبوة".
وكشف أن تعرض المكونات الحساسة لأشعة الشمس، كالأصباغ وغيرها تنتج عنه مادة أخرى بنسب مختلفة تضر بصحة الانسان في حال تناولها، ومضى يقول: "الصبغة المكونة للمشروبات الغازية تكون قابلة للامتصاص، ولكن المكونات الجديدة للصبغة تجعلها غير قابلة للامتصاص وبالتالي ينتج عنها أمراض خطيرة، كما أن النكهة نفسها تتغير".
شروط يجب الالتزام بها
وفيما يتعلق بنقل المشروبات الغازية، أشار مدوخ رئيس قسم مراقبة الأغذية بوزارة الصحة إلى أن توزيعها على المحلات التجارية أصبح بشاحنات مغلقة خلال السنوات الأخيرة، وفق ما اشترطت وزارة الصحة على المستوردين.
وأوضح أن المواد المصنوعة منها المشروبات الغازية تتأثر بأشعة الشمس بشكل كبير وسريع، لذلك نحذر من تعرضها لأشعة الشمس حتى لو لفترات قصيرة.
ولفت إلى وجود إدراك وثقافة لدى أصحاب المحال التجارية بتضرر المشروبات الغازية تحت أشعة الشمس، "في السابق كانت تصل عبر الأنفاق مواد غذائية غير صالحة ومنها المشروبات الغازية فيتم إيقاف بيعها واتلافها، ولكن حاليا قلت نسبة فساد المشروبات الغازية مع اتباع المستوردين والباعة الشروط السليمة لحفظها"، كما يقول.
وتابع رئيس قسم مراقبة الأغذية: "في المواسم كرمضان والأعياد نكثف حملات التوعية والتفتيش، وفي حال وجدنا مشروبات غازية تالفة نبحث عن الأسباب ونمنع وصولها للمستهلك".
في حين شدد أبو شقرة مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، على منع دائرته عرض المشروبات الغازية تحت أشعة الشمس بأي حال من الأحوال.
وقال: "نركز في جولاتنا التفتيشية على منع الضرر من مستورد الجملة أو المصنع نفسه، ونعمل على فحص عينات باستمرار".
ولفت إلى أنه في حال ورود معلومات لطواقم التفتيش عن وجود مواد غذائية من مشروبات أو غيرها يتم توجيه الطواقم لفحص الأمر واتخاذ الإجراءات القانونية بحق البائع.
ووفق مدير دائرة حماية المستهلك، فإن لكل مادة شروط تخزين، "فالمشروبات الغازية لها شروط تخزين معينة معروفة لدى طواقم التفتيش ويطلعون أصحاب المحلات والمستودعات عليها، وفي حال لم يتم الالتزام بالشروط تؤخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين".
ولا ينكر أبو شقرة، وجود تجاوزات في الأسواق الشعبية، "ولكنهم يعملون باستمرار لمنع التجاوزات والعمل على ضبط الأسواق بأكبر قدر ممكن". وأشار إلى أن القضية تصنف ضمن مخالفة أسس ومعايير وشروط التخزين للمنتجات والسلع.
ووفقاً لقانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004 في الفصل الرابع حول سلامة الأغذية، فإن مادة (17) الخاصة بمراقبة الأغذية، تنص على أن تتولى الوزارة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة مراقبة الأغذية أثناء تداولها، كما عليها مراقبة الأغذية المستوردة عند وصولها إلى الدوائر الجمركية، ولا يجوز السماح بدخولها إلا بعد موافقة الوزارة.
وتحظر مادة (18) تداول الأغذية غير الصحية، إذا كانت مخالفة للمواصفات والشروط المحددة من قبل الوزارة، ووقع بها غش على نحو يغير من طبيعتها، وكانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي، أو ضارة بصحة الإنسان.
وتقول مادة (19) إن المنتج الغذائي يصبح غير صالح للاستهلاك الآدمي إذا حدث تغير في خواصه الطبيعية من حيث الطعم أو المظهر أو الرائحة، ثبت بالتحليل حدوث تغير في تركيبته الكيماوية أو إضافة مواد كيماوية غير مسموح بها أو تلوثه بأحد الملوثات الكيماوية أو البيولوجية أو الإشعاعية.
في حين تعتبر المادة (20) المنتج الغذائي ضارا بصحة الإنسان إذا كان ملوثا بالميكروبات أو الطفيليات أو المبيدات أو المواد المشعة أو غيرها، على نحو من شأنه إحداث المرض بالإنسان، أو كان منتجا من حيوان نافق أو مصاب بأحد الأمراض التي تنتقل عدواها إلى الإنسان، أو كانت عبوته تحتوي على مواد ضارة بالصحة.
كما تضع أغلب الشركات المصدرة للمشروبات الغازية والعصائر، تحذيرا واضحا على بطاقة البيان، تشترط فيه أن "تحفظ العبوة في مكان نظيف وجاف، بعيدا عن أشعة الشمس المباشرة".
ورغم الإجراءات الاعتيادية التي تجريها الجهات المختصة لمنع عرض المشروبات الغازية تحت أشعة الشمس، إلا أن الأمر لا يخلو من التجاوزات وخصوصا في الأسواق الشعبية وفي المواسم، وهو ما يستدعي تكثيف عمليات التفتيش والمتابعة لما يمثله الأمر من خطورة كبيرة على صحة المواطنين.