تعكس مواقف الاحتلال التي تدفع باتجاه الحد من الأزمات الإنسانية في قطاع غزة؛ خشية انفجاره، وصول صناع القرار الإسرائيلي لقناعة مفادها أن محاولات الضغط طيلة عقد من الزمن لم تجد نفعاً في تغيير مواقف المقاومة عموماً ولاسيما فيما يتعلق بملف الجنود الإسرائيليين الأسرى.
وبدى ذلك جلياً في حديث الصحافي الإسرائيلي "رفيف دروكر" قبل أيام بأن ممارسة المزيد من الضغوط على قطاع غزة "لن يعيد الإسرائيليين الأسرى هناك".
وذكر "دروكر" في مقالة نشرتها صحيفة "هآرتس" العبرية أنه "واهم من يعتقد أن خنق غزة سيجعل حركة حماس تقدم المخطوفين بالمجان"، مشيرًا إلى أنه جرى تجريب هذا الأسلوب على مدار 11 عامًا بدون نتيجة مرجوة.
وبشأن الالتماس الأخير الذي قدمته عائلة الجندي الأسير في غزة "هدار غولدين" لزيادة الضغط على حركة حماس، قال "دروكر" إنه: "كان يتوجب أن ترد الحكومة أن هكذا مسألة هي سياسية أمنية بالدرجة الأولى، وأنها غير خاضعة لحسابات الضغط المدني على سكان القطاع".
وتطالب العائلة رئيس حكومة الاحتلال ووزراء الكابنيت بتنفيذ القرارات التي اتخذت الأشهر الماضية بشأن الضغط أكثر على حماس لإعادة الجنود الأسرى بغزة.
لم يؤت أُكله
بدوره، يؤكد الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر أن الإسرائيليين بات لديهم تقديرات في الآونة الأخيرة بأن الحصار على غزة بعد أكثر من 10 أعوام لم يؤت أُكله، ولم يستطع أن يُغير في مواقف حماس "العسكرية" وخاصة فيما يتعلق بموضوع صفقة التبادل أو نزع السلاح.
وُيبين أبو عامر في حديثه لـ"الرسالة" أن الأصوات الإسرائيلية المنادية بذلك ليست جديدة، وبعضها من الجيش والجهات الأمنية، حيث تطالب منذ أشهر بإحداث نوع من الحراك مع "حماس" سواء بالوصول إلى صفقة سياسية كبيرة أو على الصعيد الأمني من خلال إبرام صفقة تبادل أسرى.
ويوضح أن تلك الجهات تحاول إقناع المستوى السياسي بضرورة وقف الحصار لما له من تبعات ستكون (إسرائيل) هي المتضرر الأكبر منها.
ولا يتوقع أبو عامر أن تجد هذه الأصوات طريقها لإقناع المستوى السياسي الحالي، مرجعا ذلك إلى أن الأخير يدعم إبقاء الوضع الحالي في غزة على ما هو عليه مع بعض "التنفيسات" المعيشية والإنسانية مع إبقاء الضغط على حماس قائماً.
مسألة وقت
وعلى نقيض سابقه، فإن المختص بالشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة يرى أن الوصول لصفقة تبادل أسرى مع المقاومة باتت مسألة وقت، مشيرا إلى أن الاحتلال بات يحاول تحريك المياه الراكدة وإيجاد حراك في هذا الملف.
ويؤكد أبو زايدة لـ"الرسالة" أن حكومة الاحتلال تحاول الذهاب لصفقة تبادل، ولكن بشكل متدحرج بهدف تهيئة الرأي العام "الإسرائيلي" خاصة بعد جملة من محاولة تضليله في هذه القضية.
ويضيف "سيكون هناك تفاوض وستكون هناك صفقة وهي مسألة وقت والحكومة الإسرائيلية كذبت على الرأي العام الإسرائيلي بشأن المفقودين وتبين أن الوضع ليس كذلك"، متوقعا أن تكون هناك مراسلات والدفع بأطراف خارجية لتحقيق ذلك في المستقبل.
وكانت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس أعلنت مساء 20 يوليو 2014 أسرها جنديًا إسرائيليًا يدعى شاؤول أرون خلال عملية شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة إبان العدوان البري؛ لكن جيش الاحتلال أعلن عن مقتله.
وفي الأول من أغسطس من نفس العام، أعلن جيش الاحتلال فقد الاتصال بضابط يدعى هدار جولدن في رفح جنوبي القطاع، وأعلنت القسام حينها أنها فقدت الاتصال بمجموعتها التي أسرته في المكان.
وظهر لاحقاً، الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة متحدثاً عن ملف الأسرى وخلفه صور لأربعة إسرائيليين.
وتشترط حركة حماس قبل أي مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي تتعلق بصفقة تبادل أسرى، أن يسبقها الإفراج عن محرري صفقة وفاء الأحرار الذين أعيد اعتقالهم مؤخرًا.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن حكومة الاحتلال سترضخ في النهاية لشروط المقاومة وتدفع استحقاقات صفقة التبادل، لا سيما في ظل عجزها عن استرداد جنودها الأسرى عن طريق الضغط أو الحروب أو حتى العمل الاستخباري.