قائمة الموقع

لماذا تمتنع "إسرائيل" عن إبرام الصفقة مع حماس؟

2010-07-27T14:58:00+03:00

عدنان أبو عامر      

بحلول 25 يونيو/حزيران الماضي يكون الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة "جلعاد شاليط" قد أكمل نحو 1500 يوما وهو مأسور في قبضة مقاتلي حماس، وما زالت الآفاق غير مبشرة بإمكانية إبرام صفقة التبادل الموعودة بين الحركة وإسرائيل، لاعتبارات كثيرة سينشغل بها هذا التحليل.

الكوابح الأمنية والردعية

تشير معظم القراءات الإسرائيلية إلى أن صفقة التبادل التي يترقبها آلاف الإسرائيليين ممن شاركوا في الفعاليات الأخيرة المطالبة بإطلاق سراح "شاليط" -وبالرغم من أنها تغلق ملف معاناة عائلته، بعد أعوام من الانتظار "المؤلم"- تكشف حجم الثمن الباهظ الذي قد تدفعه إسرائيل، مما قد يعرض أهدافها الإستراتيجية للخطر، لأن النتيجة الطبيعية من تكرار هذه الصفقة مع منظمات المقاومة المسلحة، هو تقوية مواقعها في الداخل والخارج، وتنامي شعبيتها وجماهيريتها.

في الوقت ذاته، ستبدو إسرائيل كمن تقلل من أهمية جنودها الموجودين في الأسر، حين تمتنع عن القيام باسترجاعهم، وهو حق طبيعي لهم، وحين توقع على صفقة تبادل، فإن من الطبيعي أن أعداءها الذي يخطفون جنودها ومواطنيها، سيكونون في موقع الرابح الأكبر.

كما أن صفقات من هذا القبيل من شأنها أن تظهر تل أبيب كما لو كانت مستعدة للقبول بالتنازل عن كل حقوقها، والخضوع لكل المطالب التي تعلنها منظمات المقاومة مثل حماس وحزب الله.

وفي المقابل، فإن هذه الصفقات تمس بقوة إسرائيل الردعية، وتعمل على تشجيع المنظمات للقيام بعمليات اختطاف أخرى، وتخاطر بحياة جنودها الذين يمكن أن يقعوا في أسرها، وبالتالي فأن تضحي إسرائيل بالكثير من أجل استعادة جنودها ومواطنيها، فهذه قيمة إنسانية كبيرة، لكنها قد تترجم سياسياً على أنها خضوع لمطالب المسلحين، الذين قد يرفعون الثمن المطلوب لتبادل الأسرى.

هنا يمكن سرد عدد من العوامل المؤثرة في القرار الإسرائيلي بشأن صفقات تبادل الأسرى:

أولاً: الأبعاد الإستراتيجية بعيدة المدى: حرصت النخب الإسرائيلية على التأكيد أنها ستعمل ما يلزم لعدم إبقاء جنودها في الأسر، وهو إعلان يعكس إدراكاً للأهمية الإستراتيجية لإعادتهم، لأن أكثر الأسئلة التي باتت تـُطرح من الجنود: في حال وقعنا في الأسر.. إلى أي حد يمكن أن تذهب الدولة في حرصها على إعادتنا؟.

ثانياً: دور الرأي العام والحملات الجماهيرية: تعتبر اتجاهات الرأي العام أحد المعايير التي توضع في الاعتبار لصناع القرار في إسرائيل، ليس فقط بسبب طابع النظام السياسي الذي يعطي وزناً لرأي الجمهور، بل على اعتبار أن العائلات تعي أن الحكومة ستعمل على إعادة أبنائها الأسرى.

ثالثاً: اعتماد السوابق التاريخية في القرارات المستقبلية: التي تلعب دوراً هاماً في موقف النخب الحاكمة بشأن صفقة التبادل، سواء تشجيع التوصل لها، أو اتخاذ موقف سلبي منها، ولعل التخوف من نموذج الطيار "رون أراد" الذي أسر في لبنان خلال الثمانينيات، شكل مسوغاً للدعوات لدفع أي ثمن من أجل إبرام الصفقة مع حماس.

رابعاً: الرفض الصارم من الأجهزة الأمنية: التي يعد دورها حاسماً في إبرام الصفقة، وباتت تتأثر بموقف رئيس "الشاباك"، على اعتبار أن الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم سيعودون للأراضي الفلسطينية، وهي منطقة نفوذه، وهناك موقف تقليدي يدل على أن رؤساء المخابرات يميلون في العادة لرفض صفقات التبادل.

التعاطي الإسرائيلي مع الصفقة

ترى الأوساط الإسرائيلية أن حركة حماس ستحصل على نتائج إستراتيجية بعيدة المدى إذا ما نجحت في تحقيق صفقة التبادل على النحو التالي:

1- تبعات الصفقة المتوقعة ستكون أكثر دراماتيكية، وستعمل على تقوية سلطة حماس في قطاع غزة، وستمهد الطريق عملياً لبسط سيطرتها المستقبلية على الأراضي الفلسطينية بصورة كاملة.

2- باستثناء الانتصار الكبير الآني الذي ستحظى به حماس، فإنها ستحقق إنجازات سياسية هامة، ذات تأثيرات كبيرة على المدى الطويل، فالعشرات من الأسرى الذين سيطلق سراحهم خلال الصفقة سينتقلون إلى الضفة الغربية، وهناك سيقيمون مركزاً سياسياً ومسلحاً، وبالتالي سيكون لهم دور كبير على تأثير موازين القوى للحركة أمام السلطة الفلسطينية، وفقاً للتقدير الإسرائيلي.

3- الأفضلية الأهم التي تراها حماس محببة لها في الفترة الحالية، تتمثل في تقوية سلطتها في غزة، وتحقيق انفراج حقيقي في معبر رفح لصالحها.

من جانب آخر، فإن مثل هذه الصفقة من شأنها المس بقوة إسرائيل الردعية، وتشجيع منظمات المقاومة على القيام بعمليات اختطاف أخرى، ولئن بدا للوهلة الأولى أنه من الطبيعي أن تضحي إسرائيل بالكثير من أجل استعادة جنديها الأسير، فإن الصفقة -كما تقول محافل أمنية واستخبارية إسرائيلية- قد تترجم سياسياً على أنها خضوع لمطالب المسلحين، الذين قد يرفعون الثمن المطلوب لتبادل الأسرى.

ويشير سعي إسرائيل إلى تجديد التفاوض بين الحين والآخر، وتطوير عروضها بشكل مستمر إلى ثلاثة احتمالات بخصوص وجهتها في التعامل مع مسألة استعادة "شاليط" من الأسر، وهي:

الاحتمال الأول: إبرام صفقة مع حماس تلبي شروطها، ويدعم هذا الاحتمال حقيقة فشل إسرائيل في استعادة أي جندي أسير بدون مفاوضات، باستثناء الجثث التي عثرت عليها بجهود ذاتية، أو بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وفي حالة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس بالكامل يبدو من المستحيل الحصول على "شاليط" بوسائل عسكرية أو استخبارية.

الاحتمال الثاني: رفض إبرام صفقة في انتظار المراهنة على جهد استخباري يساعد على تحريره، ويدعم هذا الاحتمال حقيقة أن إسرائيل ترفض التعامل مع أي طرف داخل فلسطين المحتلة بمنطق "الندية" لأسباب سياسية وأمنية وعنصرية، إضافة لخشيتها من أن إطلاق سراح الأسرى وفق شروط حماس، سيعزز من مكانتها، ويمنحها شرعية في تمثيل كل الفلسطينيين؛ حتى من يسكنون داخل فلسطين المحتلة عام 1948.

ويدفع هذا الأمر باتجاه الاعتقاد بأن إسرائيل لن تبدو مستعجلة على أن تُبرم صفقة مع حماس، بل ستراهن على الجهد الاستخباري مثل أخذ رهائن من قادة المقاومة لمبادلتهم بـ"شاليط"، وهو خيار تأخذه المقاومة بعين الاعتبار، لاسيما بعد الكشف عن المخطط الإسرائيلي لاختطاف جملة من قيادات حماس خلال عملية اغتيال قائدها العسكري محمود المبحوح في دبي.

الاحتمال الثالث: المزيد من إنهاك المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة إلى حين موافقة حماس على قبول صفقة "متواضعة"، ويدعم هذا الاحتمال حقيقة فشل إسرائيل حتى اللحظة في الحصول على هدفها رغم كل الوسائل التي اتخذتها، ويبدو أن الاحتمال الثالث هو الأرجح، إلا إذا توفر للإسرائيليين صيد ثمين، فيمكنهم أن يدمجوا بين الاحتمال الثاني والثالث.

لكن المصلحة الفلسطينية تكمن في نجاح الاحتمال الأول، وتكمن إمكانية نجاحه في استمرار القدرة على الاحتفاظ بالجندي، والحذر الأمني الشديد حتى لا يقع أي صيد ثمين في يد إسرائيل، إضافة إلى الاجتهاد في التخفيف من معاناة الناس في غزة.

حماس.. ماذا يا ترى فاعلة؟

على أية حال، وبغض النظر عن المآل الذي ستنتهي إليه صفقة التبادل الموعودة، فإن هناك عدة نقاط تسجل لصالح المقاومة، وفي ظل الوضع القائم لا يتوقع حدوث تغيير على الموقف الإسرائيلي بشأن الصفقة للأسباب التالية:

1- عدم اكتراث الحكومة الإسرائيلية بالفعاليات الأخيرة لعائلة الجندي، واتهامها بتجاهل مصالح الدولة الإستراتيجية.

2- التركيبة اليمينية المتطرفة لحكومة "نتنياهو"، وضعف رئيس الوزراء الحالي أمام وزرائه.

3- الدور الإقليمي والدولي الذي يرفض منح حماس أي "جائزة" في مثل هذا التوقيت الحساس.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للانتباه في تطورات قضية الجندي الأسير "شاليط"، ما تمارسه عائلته من ضغط جماهيري، سيؤدي فقط إلى تشدد حماس، كما يرى قطاع واسع من الخبراء الإسرائيليين.

ولذلك تسود انطباعات إسرائيلية بأنه ما هكذا تدار صفقات التبادل، لأن ذلك يصب في خدمة حماس، هذه ليست "صفقة عقارية"، صفقة التبادل هي خيار أخير، وليس الأول، وتوجد عدة طرق أخرى تجب تجريبها، لأنها صفقة تحتمل الكثير من المخاطر، أهمها تحرير آلاف الفدائيين، مما يشكل كابوساً مخيفاً بنظر المنظرين الإستراتيجيين الإسرائيليين.

وفي ظل المعطيات السابقة، فإن العمل على تغيير تعاطي إسرائيل مع الصفقة يشمل التالي:

1- يجب تكريس ميزان ردع مع إسرائيل، بحيث تصل إلى قناعة بأنه ليس من مصلحتها الاحتفاظ بآلاف الأسرى في سجونها، عبر اختطاف المزيد من جنودها، أو القيام بعمليات نوعية، وربطها بقضية الأسرى.

2- ضرورة تجنيد رأي عام فلسطيني عربي إسلامي منظم على الصعيد الدبلوماسي، لإقناع العالم بعدالة قضية الأسرى، وأنهم مقاتلو حرية وليسوا "إرهابيين"، كما تصورهم إسرائيل.

3- تتبّع حماس للواقع الإسرائيلي، وربما يبدو من المهم الإشارة إلى فكرة الدخول إلى تفاصيل المجتمع الإسرائيلي، والتأثير فيه عن بعد دون التدخل المباشر، وبناءً عليه تـُبنى إستراتيجية إعلامية بناءة تساعد في تقصير مدة التفاوض، والاحتفاظ والتعجيل بقبول مبدأ التبادل.

أخيراً.. فإن الواضح من تطورات صفقة التبادل، وفي ضوء انتهاء فعاليات عائلة الجندي الإسرائيلي، وانسداد أفق العلاقة الفلسطينية الداخلية والإقليمية، أن أوان الصفقة ما زال بعيداً عن متناول اليد، وما قد نسمعه من تصريحات أو تسريبات قد لا يعدو "إدارة" للأزمة، وليس قرب حل لها.

اخبار ذات صلة