كان مهمًا بالنسبة لهم أن تُشرق الشمس حتى تعكس بأشعتها على القُبة الذهبية لتزداد بريقًا، فتبدو بذلك آخر صورة تذكارية لهم في المسجد الأقصى، مُبهجة أكثر!
39 قميصًا أبيضًا كُتب على كل واحد منهم حرف واحد فقط، واستندت أكتافهم ببعض حتى شكلوا بأجسادهم جملة يؤمن بها جميعهم ولأجلها تخطوا الحدود "القدس عاصمة الإسلام الأبدية".
كانت هي المرة الأولى التي يُبصر فيها هؤلاء الشباب الأتراك مدينة القدس، لأجل الصلاة في الأقصى ورفض أي قرار أمريكي ضد المدينة المُقدسة!
تكوينات الدم وحلقوم تركي!
الأربعاء والخميس والجمعة، ثلاثة أيام فقط من الأسبوع الماضي، لــ39 شابًا تركيًا، أكبرهم عمرًا لا يتجاوز الــ29 وأصغرهم في بداية الــ22 عامًا.
اللحظة الأولى لإبصارهم للقدس، تلتها خطوة واحدة فقط، وسجدة شكر، لامست فيها جباههم بلاط الباحات!
يقول سامر صيام أحد حراس المسجد الأقصى -المرافق للشباب التركي خلال جولتهم-: "تأثروا برائحة القدس وأحبوا طرقات البلدة القديمة، ولعبوا مع الأطفال في ساحة المرواني".
من حولهم تجمع الأطفال المقدسيون حين بدأ أحدهم بتوزيع الحلويات والحلقوم التركي عليهم.
مرافقة أبو قتيبة لهم ولوفود شعبية وشبابية تشد الرحال للأقصى، جعلته يدرك أن القدس ستبقى بخير من دعواتهم، لاسيما بعد الصورة الأخيرة لهم!
لفت انتباهه لهفتهم للتجول في كل شوارع البلدة القديمة بالمدينة المقدسة، والسؤال الدائم عن الأسماء والأماكن، والرغبة في التعرف على أبواب الأقصى وباحاته، وعند سؤالنا له عن ردات فعلهم، وأكثر ما أثر فيه من كلامهم، أجاب:" أفضل ما سمعت من الأتراك هو أن القدس إحدى تكوينات الدم عندهم".
"رافقتهم للشرح عن الأقصى فقط" يوضح صيام مهامه معهم، ثم يوضح "للرسالة" لحظات مغادرتهم، حيث ارتدى جميعهم القمصان البيضاء واصطفوا بجانب بعضهم البعض حتى تكونت الجملة.
المعاناة التي شعروا بها لاسيما بمحاولة جنود الاحتلال على الحواجز استفزازهم مرارًا بسؤالهم " ليش جاين على (إسرائيل)؟" وإعادة كلمة (إسرائيل) في كل مرة يحاول فيها أحد الأتراك تصحيحها وقوله "بل هي فلسطين"!
التقطوا الصورة بابتسامة واحدة، تعني الكثير للمقدسي، كما ايمانهم بأن القدس عاصمة فلسطين الأبدية.
جهزوا الأمتعة، وانتظر جميعهم شروق الشمس، انشغل أحدهم بالتصوير والتقاط آخر صور "سيلفي"، واكتفى الثاني بنصيحتهم بأخذ حفنة من تراب القدس وأوراق من شجر الزيتون المباركة، أما كبيرهم فكان يتأمل قبة الصخرة، ويدعو بصوت مرتفع بأن يكتب الله له زيارة للأقصى مرة أخرى.
لم يكن حارس الأقصى "صيام" بحاجة للمترجم ليعبر له عن مشاعرهم ودمعاتهم لحظة مغادرة القدس، فقد كانت صادقة لدرجة أنه أدرك قول أحدهم: " كيف نطلع من الجنة؟".