قنصلية أميركية في رام الله مقابل السفارة في القدس.. جزرة جديدة تحاول الإدارة الامريكية أن تتحايل من خلالها على الطرف الفلسطيني مقابل قبوله بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة للاحتلال والتراجع عن رفض الوساطة الامريكية بعملية التسوية.
ويبدو أن إدارة البيت الأبيض باتت تدرك أن السياسة الفجة والمتعجرفة التي تعاملت بها مع الفلسطينيين لن تحرز تقدماً في عملية التسوية والصفقة التي تسعى لتحقيقها ضمن رؤيتها الجديدة والتي باتت تعرف بصفقة القرن.
وقد شكلت خطوات ترمب صدمة وصفعة قوية لفريق التسوية الفلسطيني خاصة أنه لم يذكر بالمطلق حل الدولتين بل تحدث صراحة أنه ليس الحل الوحيد للقضية ويمكن البحث في حلول أخرى وفي ذلك مخالفة لسياسة جميع الإدارات الامريكية السابقة، ما شكل انهاء عمليا لمشروع التسوية الذي امتد لأكثر من عقدين ووصل إلى طريق مسدود.
التسريبات حول بنود صفقة القرن لا تتوقف، وأخرها كان على موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الذي قال إن "ابن سلمان أخبر عباس أن التهديد الإيراني للأقطار العربية بالغ الخطورة"، وأكد له أن "السعوديين في حاجة ماسة إلى دعم الولايات المتحدة و(إسرائيل) لمواجهة الخطر الوجودي الذي تشكله طهران".
وذكر الموقع أن الولايات المتحدة تفكر بإقامة قنصلية أميركية في رام الله، إضافة إلى عدة أفكار أخرى تعكس حقيقة أنه لا يمكن إدارة المفاوضات بينما يشعر أحد الطرفين بظلم بشكل دائم.
وتعكس هذه الرؤية التمسك الدولي برئيس السلطة محمود عباس الذي وإن رفض القرارات الامريكية لكنه لم يعمل على تغيير الوضع القائم على الأرض وحافظ على التنسيق الأمني والعلاقات مع الاحتلال، وركز كل الجهود في خضم الضغط لوضع الملفات على طاولة المفاوضات وليس حسمها بشكل أحادي.
السعودية التي أصبحت تشكل الراعي الإقليمي لصفقة ترمب، مهتمة باستمرار عملية التسوية بل وتمارس ضغطاً حقيقياً لإقناع الطرف الفلسطيني بقبول الصفقة والدخول في مفاوضات، وذلك رغبة منها في تمرير الصفقة التي ستسمح بموجبها بتطبيع علاقاتها مع الاحتلال، وهو ما يفسر التسريبات التي تتحدث عن فتح قناة اتصال سرية بين السلطة و(إسرائيل) والإدارة الأمريكية؛ لتجاوُز مرحلة التصعيد القائمة على خلفية قرار القدس.
ويظهر السلوك السياسي الأخير للسعودية التنسيق المباشر مع إدارة ترمب، وهو ما أثمر بعض الليونة في موقف الرئيس عباس تجاه الوساطة الأمريكية من خلال الدخول في مفاوضات جديدة مع (إسرائيل)، خاصة بعد نجاح الرياض في الضغط على أبو مازن، لفتح باب جديد للمفاوضات مقابل تحسين الوضع المالي للسلطة وزيادة الميزانية الشهرية التي تقدَّم للسلطة، إضافة إلى تقديم ضمانات جادة لنجاح أية جولة تفاوضية مقبلة"، وذلك بحسب مصادر خاصة لموقع "الخليج أون لاين".
وليس سراً أن غضب عباس من الإجراءات الأمريكية لم يمنعه من التصريح بتمسكه بالمفاوضات وحل الدولتين، ما يؤكد أنه لن يمانع في الدخول في جولة مفاوضات جديدة حال توفرت ضمانات، وذلك بعدما بات لا يملك أي أوراق سياسية لمواجهة أميركا و(إسرائيل) الا التوجه لمجلس الامن الذي يقف الفيتو الأمريكي عائق امام أي اختراق قد ينجز فيه.
وتتحدث المصادر أنه خلال منتصف شهر مارس الجاري ستعقد أول اللقاءات السرية لإحياء مشروع المفاوضات من جديد، باتصالات وإشراف من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرةً إلى أن الرياض قدمت تعهدات وضمانات كافية للأطراف كافة المشاركة في المفاوضات، وخاصة الفلسطينيين، بنجاح جهودها ووساطتها، خلال فترة ليست ببعيدة.
وكان العام 2014 شهد أخر جولة من المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية بعد رفض سلطات الاحتلال وقف الاستيطان والإفراج عن أسرى قدامى، وقبول حل الدولتين على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967، عاصمتها شرقي القدس.
وتحدثت تقارير عن تفكير الإدارة الأميركية بتقديم "مكافئة مجزية" للفلسطينيين للتخفيف من وطأة غضبهم، عبر إقامة قنصلية في رام الله والقبول بحل الدولتين في حال صدقت احدى المؤشرات المطمئنة لفريق التسوية الفلسطيني والتي من شأنها أن تمنحه مخرج للمأزق الحالي في حال قرر العودة للمفاوضات.
واللافت أن أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي ربط بين السعودية وعرض جديد قدم للجانب الفلسطيني للاعتراف بـ"أبو ديس" عاصمةً للدولة الفلسطينية بدلاً من القدس المحتلة، قبل أسابيع، عاد ليتحدث في تصريحات صحفية عن وجود تحركات سعودية لإحياء المفاوضات من جديد بين السلطة و(إسرائيل)، مؤكداً أن جهود الرياض بهذا الملف لا تزال مستمرة على أكثر من اتجاه.
وشدد على أن "الرياض اهتمت جيداً بـ(صفقة القرن) الأمريكية، وتحرُّكها في ملف المفاوضات جزء من الصفقة الأمريكية، التي تسعى لتطبيقها وتنفيذ بنودها بالتعاون مع أطراف عدة، منها الإدارة الأمريكية"، لافتاً إلى أن "السلطة لم تغلق باب المفاوضات، ولا يزال مفتوحاً".