قائمة الموقع

مهنة "الداية" تحتضر أمام "قابلات الولادة"

2018-03-07T08:15:46+02:00
صورة أرشيفية
الرسالة نت - خاص

لم تكد تنهي العجوز الثمانينية زينب أبو حسنة حديثها عن بنات "جيل اليوم" بغيظ شديد، وهي ترد على حفيدتها التي تدخل شهرها السابع في حمل الميلاد، "ما فيكم بركة، كنت أولّد المرة من هان وتقوم تشتغل مع زوجها بالأرض من هان".

الحاجّة زينب أو كما كانوا يطلقون عليها بـ"داية الحارة" لم يتبق من مهنتها سوى قصص تحتفظ بها في دفتر ذكرياتها، وهي تقلب أحداثه بين الفينة والأخرى، كلّما مرّت عليها أطياف الزمن الجميل كما تقول، أو صادفتها نسوة ساعدت في توليدهن.

"هاد أنا ولدته على أيدي وشبعت فيه ضرب، لأنه غلبني"، كانت بهذه الكلمات تمازح الحاجة زينب الشاب الثلاثيني الذي ساعدت والدته في الميلاد فيما عرف بـ"شهر الطوق"، فقد استغاثت أمه بها في ظل التضييق الأمني الإسرائيلي على منازل المواطنين آنذاك، "رحت ولدته بأيدي ولمن غلبني ضربته"، هكذا تمازح الشاب.

"تعرفني أمك جيدًا، ماذا عن اخبارها(..) هي قوية ولا عجزّت زينا"، وهكذا بدأت الحاجة زينب بتقليب صفحات الماضي وهي تستحضر نسوة ساعدت في عملية ولادتهن، وهي تتحسر اليوم "يا حسرة مش زي بنات اليوم بدهن مستشفيات خصوصي!".

وبحسب الداية فإن مهنة الداية بدأت تتسع رويدا رويدا، حتى باتت تشبه دور الممرضة في زماننا، "كنّا على التواكيل ربك بسهلها، وقليل حالات ضاعت بين أيدينا".

فهي من جانب كانت تركز على مساعدة النسوة في الولادة، كما كانت ترعى المرأة في مرحلة الحمل، وتساعدها في جلب الأعشاب المساعدة في تسهيل عملية الولادة، وتسدي لها نصائح "الكبار والاجداد" حول التعامل في تلك المرحلة.

لم يصدف أنّ تعرضت الحاجة زينب التي امتهنت هذه المهنة - لوجه الله- أن اصطدمت بحالات حرجة اثناء عملية الولادة، "بعض الحالات تعاملت معها بطريقة صحيحة دون "خلع" كما يحدث اليوم في بعض المستشفيات"، والقول للحاجة زينب.

عملية الولادة كانت تشارك فيها طواقم كثيرة وعديدة، "فنساء الحارة كلها تساعد، فتأتي من تسخن المياه وأخرى تجهز الطعام لإطعام المرأة بعد عملية الميلاد، ويكونوا كل الحبايب عنا!"، هكذا ببساطة الداية.

بعد الانتهاء من عملية الولادة تبدأ العائلة بتناول الطعام، "كانوا غالبيتهم يذبحون طيورا وارانب"، ثم بعد ذلك تبدأ عملية المراقبة من الداية للطفل المولود لأكثر من شهر، حتى اذا ما بدت عليه معالم مرضية، "فحينها تذهب امه الى المستشفى لعلاجه، وهنا ينتهي دوري".

الحاجة زينب نبشت ذاكرتها لخمسين عامًا للوراء، حين ساعدت والدتها التي كانت تمتهن ذات المهنة، "صرت اساعدها ومع مرور الوقت أصبحت اعرف اكثر منها، وبناخد الي فيه النصيب!".

ومع تقدم الطب في القطاع، وافتتاح اقسام خاصة بالولادة، أصبحت مهنة الداية تنحسر تدريجيًا، وغالبا ما يقع على عاتقها اسداء النصائح ومتابعة الجنين للنسوة الأقارب فقط، وتوصيتهن بالأعشاب، "لكن تعودوا على الأدوية ما بقبلوا الأعشاب"!، تلوم الحاجة ضاحكة "بنات اليوم".

ومنذ عقد ونيف انقطعت الحاجة زينب عن المهنة، لكنّها اضطرت اليها مرة واحدة في عدوان 2008، حيث اضطرت لتوليد إحدى نساء عائلتها جنوب قطاع غزة، "فجأة أجاها الطلق وقمت ولدتها، وخلصت الموضوع لا مستشفيات ولا مراكز خاصة!".

اخبار ذات صلة