لا شك أن القدرة الهائلة لشركات الإنترنت العملاقة، غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون، على القضاء على المنافسة تبعث على القلق، فهل يبرر احتكارها شبه الكلي لسوق الإعلانات فرض إجراءات تنظيمية خاصة عليها، أو حتى تفكيكها بالكامل؟ وهل بدأت هذه الشركات التي هي في واقع أمرها أحسن مثال على نجاح الرأسمالية الحديثة تتحول شيئا فشيئا إلى ألد أعدائها؟
هذا ما ناقشته محررة الشؤون الاقتصادية بصحيفة لوفيغارو، في تحليل لها اختارت له عنوان "هل ينبغي تفكيك غوغل وفيسبوك؟".
في بداية تحليلها، لفتت بايار برتيل إلى أن قوة هذه الشركات المهيمنة لم تعد تحتاج إلى دليل، فقيمتها السوقية ثلاثة تريليونات دولار، وأرباحها الإجمالية تتجاوز مئة مليار، ومخزونها النقدي يقترب من خمسمئة مليار.. إلخ.
لكن كل ذلك لا يجعل شركات (غافا/GAFA) في منأى عن فرض إجراءات تنظيمية أو حتى تفكيكها بالكامل، مما جعل برتيل تشير إلى أن "كل تلك الاحتمالات مطروحة للنقاش".
وذكّرت برتيل بسوابق تاريخية تبرر هذا النقاش. فبداية القرن العشرين، قطَّع رئيس أميركا ثيودور روزفلت شركة ستاندرد أويل النفطية إلى 34 شركة. وأوائل الثمانينيات، قامت إدارة الرئيس رونالد ريغان بتقسيم شركة "أي تي آند تي/AT & T" إلى سبع شركات اتصالات.
وخصت الكاتبة غوغل وفيسبوك بالذات بأنهما تستحوذان على حصص كبيرة في السوق، إذ يُستخدم محرك بحث غوغل في 94% من عمليات البحث عبر الجوال في الولايات المتحدة. وفي فرنسا، تبلغ حصة غوغل وفيسبوك من سوق الإعلانات عبر الإنترنت 90%.
وهذه الأرقام ليست مستهجنة في حد ذاتها وفق برتيل- إذ إنها نتاج نجاحات تجارية هائلة، ولكنها تسبب صداعا حقيقيا للسلطات التي ترعى المنافسة، فوسائلها العادية لتنظيم السوق أصبحت معطلة أمام نماذج اقتصادية قائمة على مجانية الخدمات.
وفي ظل هذا الوضع الجديد، تقول الكاتبة إن المسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا بدؤوا التفكير في إخضاع هذه القوى الاقتصادية العملاقة لمعايير حديثة تناسب طبيعتها، إذ لا ينبغي أن تقتصر الرقابة على التكلفة بل يجب أن تشمل كذلك تأثير المنتج على المستهلك، فالمنافسة تعني كذلك حماية المستهلك والسهر على مصلحة الناس.
ونبهت الكاتبة إلى ما تخوله القوة المالية الهائلة لشركات غافا من إمكانية الاستحواذ -في بعض الأحيان- بمبالغ لا تصدق على شركات صغيرة، مما يبعث على التساؤل عن دور هذه الشركات العملاقة في التأثير سلبا حتى على الإبداع.
وللأسباب المذكورة أعلاه، قالت الكاتبة إن أصواتا كثيرة بدأت ترتفع مطالبة بفرض قيود على شركات غافا، بل إن أساتذة جامعيين في الولايات المتحدة أنشؤوا "الحركة الجديدة لبرانديز" في إشارة إلى قاضي المحكمة الأولى الأميركي لويس برانديز (1920 و1930) الذي كان يرى في تضخم الشركات خطرا على المستهلك، كما بدأ الليبراليون يسمعون صوتهم في هذه القضية، إذ أطلقت مجلتهم ذات النفوذ الواسع "ذي إيكونوميست" على شركات غافا اسم "ساحرات التقنيات المتطورة".
كما بدأ يتسلل إلى هذه المناقشات صدى تضخم شركات غافا بشكل يحولها إلى قوى اقتصادية عظمى فوق المساءلة، ويضاف إلى ذلك مخاوف بشأن حماية البيانات، والخصوصية، ونشر المعلومات الكاذبة.. إلخ.
وختمت الكاتبة بتحذير للأستاذ بجامعة بركلي "كارل شابيرو" تعليقا على الجهود المبذولة لتنظيم عمل هذه الشركات، حيث يقول "علينا ألا ننتظر من السلطات المنظمة للمنافسة أن تحل كل المشاكل السياسية والاجتماعية" الأوسع من دائرة اختصاصها، إذ لا بد للسياسيين كذلك من لعب دورهم في هذه المسألة، على حد تعبير الكاتبة.