"أراد أن يزود قصره الشتوي وحديقته بالماء، فبنى القناة المائية خلال الحقبة الرومانية، حيث كانت لأحد القصور التي شيدها له في فلسطين"، بحكاية بناء الملك هيرود لدير القلط يستهل الشاب "يوسف أحمد" (23 عامًا) حديثه عن منطقة وادي القلط والتي يعتبر طريقها أجمل مسارات المشي في فلسطين.
وادي القلط الذي يتمتع بطبيعة خلابة على الرغم من أن مناخه ذو طابع صحراوي، كما يعد انحدارًا طبيعيًا بين الهضاب، يصفه "أحمد": "هو عبارة عن جدران عالية صخرية التكوين، يرتفع على مسافة خمسة وأربعين كيلو متراً، ويبعد عن مدينة أريحا ستّة كيلو مترات".
"وادي أريحا هو الاسم الثاني لوادي القلط" يحكي، ثم يكمل: " يعد أحد روافد نهر الأردن الغربيّة، والأهمّ بينها، حيث تشكّل نتيجة لالتقاء واديين، هما؛ وادي فارة ووادي السوينيت".
دير وادي القلط هو جزء مهم من التضاريس في سفوح الجبال الشرقيّة للقدس، حيث ينتهي في سهل الغور إلى نهر الأردن، في النقطة الشماليّة من مصبّه _أي البحر الميت_.
الجسر في الوادي يعطي المكان تاريخًا عريقًا كونه يعود إلى العصر الروماني، إضافة إلى عدّة مطلاّت تقع في قمم الجبال التي تحيط بالوادي، يقول "أحمد": "تعد هذه الآثار شاهدة على أصالة المنطقة والتي تُشرف على الأراضي المقدّسة، وعلى الجبال التي تحيط بمدينة القدس".
عدا عن التكوينات الجيولوجية الفريدة فيه، حيث العديد من المغاور الصخريّة، والتي كانت تُستخدم قديماً إبان العصر البيزنطي من قِبل الرهبان.
ما يجذب "أحمد" كما يقول لـ"الرسالة" وهو في خط سيره عبر الوادي عشرات الكهوف والمغارات التي يستعملها البدو لتقيهم حرارة الشمس، وقبل الانتهاء من الوادي تظهر للعيان مدينة أريحا.
لم يذهب "أحمد" على منطقة وادي القلط إلا ولاحظ كمية السياح الكبيرة الذين يتجولون فيها، ويسترسل: " دير القلط يعتبر معلمًا للتراث الوطني الفلسطيني وسط جبال أريحا ويؤمه كل سياح العالم".
"ونحن في وادي القلط نسير في طرقات نكاد نشعر أننا سننحدر منها إلى قاع سحيق"، يقول العشريني ثم راح يصف الجمال الخلاب في المنطقة.
فالوادي ذو زرع ومياه، تحيطه أزهار الربيع بشقائق النعمان الحمراء، والأعشاب البرية الطبية، وتسرح الغزلان والحيوانات البرية فيه.
ويتابع أن تنوع المكان بيئيًا وحيويًا هو ما جعل مشهد الوادي جذابًا، لاسيما في فصل الربيع، ويكمل: "على ضفاف الوادي تصطف الصخور الجبلية".
دير "القديس جورج" يتوسطه والذي بني بشكل معلق في قلب جبل، يمر عبره الماشي إلى أن يصل إلى نهاية الوادي بمدينة أريحا شرقي الضفة الغربية، مرورًا بقصر هيرودس الشتوي.
إلى بداية التاريخ عاد الشاب "أحمد" بحديثه حينما سكن الناس الكهوف والأودية، قبل أن ينتقلوا إلى الأبنية الحجرية، يتابع: "وادي القلط يقع في مدينة أريحا أقدم مدينة في التاريخ، وأكثر مناطق العالم انخفاضًا عن سطح البحر".
اعتقاد شائع يخطر على البال سريعًا كما يحكي "أحمد" بمجرد أن ذكر اسم وادي القلط، حيث يقول: "يعتقد أن النبي إيليا سكن المنطقة لفترة أثناء توجهه إلى سيناء، ويقال إن القديس يواكيم كان في المنطقة حين أخبره الملاك أن ابنته سيدتنا مريم العذراء قد حملت بسيدنا المسيح عليه السلام".
"مأوى الرهبان كما أنه مأوى للطيور الجارحة"، هكذا يشتهر وادي القلط، يختم "يوسف" حديثه: "كان الوادي لسنوات طويلة مأوى للنساك والرهبان الذين هربوا بعقائدهم من الاضطهاد الروماني إلى مغارات وكهوف الوادي، ويعتقد أن الهاربين بعقيدتهم سكنوا هذا المكان منذ القرن الثالث الميلادي".