نشرت صحيفة "هآرتس" مقالا لمراسلها في أمريكا كيمي شاليف، يقول فيه إن إسرائيل ومؤيديها من اليمين الأمريكي سيحتفلون بالإقالة غير اللائقة لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، وتنصيب مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، مكانه.
ويقول شاليف: "كان ينظر إلى تيلرسون على أنه متحفظ وبعيد عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، في الوقت الذي ينظر فيه إلى بومبيو على أنه مؤيد حميم، وكان تيلرسون حريصا على الاحتفاظ بالاتفاق النووي مع إيران، بينما يميل بومبيو إلى رأي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، بالحاجة إلى تعديله أو الانسحاب منه تماما".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "ينظر إلى تعيين جينا هاسبل بدلا من بومبيو رئيسة لوكالة الاستخبارات المركزية على أنه مفيد؛ فقد كانت المسؤولة عن العمليات (السوداء) ضد الإرهاب لسنوات عدة، وهي متورطة في ما يزعم من استخدام التعذيب ضد قيادات المتطرفين الإسلاميين والتعتيم عليه".
ويستدرك شاليف بأنه "في مختلف أنحاء العالم وداخل أمريكا ستكون ردود الفعل مختلفة تماما، فإقالة تيلرسون تثير المخاوف من أمريكا انعزالية تصد حلفاءها التقليديين، ومع أنه كان من المعروف أن هذه الإقالة كانت قادمة، لكن الإقالة المفاجئة، التي لم يعرف عنها تيلرسون إلا من خلال (تويتر)، بينما كان في طريقه عائدا من جولة في أفريقيا، تبرز الفوضى الدائمة التي تبدو سمة مميزة لرئاسة ترامب، حيث يخرج مستشارون وأعضاء حكومة كانوا موثوقين بشكل مخز، ويدخل آخرون من بابه دائم الدوران".
ويجد الكاتب أنه "مع أن كلا من بومبيو وهاسبل أكثر تشددا تجاه روسيا من تيلرسون، إلا أن إقالته خلال 24 ساعة من تحميله موسكو المسؤولية عن تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال في بريطانيا، لا يمكن إلا أن يزيد من الشكوك بأن ترامب يأخذ أوامره مباشرة من الكرملين".
ويلفت شاليف إلى أن "ترامب وتيلرسون كانا من البداية شخصيتين مختلفتين، ولم يعرف الرئيس المدير السابق لشركة (إكسون موبيل) عندما أغراه بترك وظيفته، التي يحصل منها على راتب بالملايين، ليتسلم وزارة الخارجية، وكان تيلرسون غير راض عن قرار ترامب أحادي الجانب بفرض جمارك على الصلب والألمنيوم، متوقعا أن ذلك سيشعل حربا تجارية دولية، ويزيد من توتر العلاقات المتوترة أصلا مع أقرب حلفاء أمريكا، خاصة في أوروبا".
ويورد الكاتب نقلا عن مصادر البيت الأبيض، قولها يوم الثلاثاء بأن أحد أهم أسباب إقالة تيلرسون كان تحفظه على قرار ترامب الصادم بلقاء كيم جونغ أون، حيث كان بومبيو أكثر تأييدا للقاء، الذي يحمل مخاطرة عالية، مع ديكتاتور كوريا الشمالية.
ويبين شاليف أن "جريمة تيلرسون الكبرى هي أنه لم يعرف كيف يتملق لترامب إلى الدرجة التي من الواضح أن الرئيس يحتاجها ويرغبها، ما جعله دائما عرضة للشتائم المستمرة والإهانات الصادرة عن البيت الأبيض، وغالبا أن مصيره قد قرر منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما نقل عنه أنه وصف ترامب بأنه (أحمق)، وبحسب بعض الروايات (كلمة بذيئة.. أحمق)، وكان يثير تيلرسون النقد اللاذع المباشر الذي يستخدمه ترامب في السياسة الداخلية والخارجية، واستغرب تيلرسون، الذي قضى سنوات طويلة مع حركة الكشافة، أن يقوم ترامب بشن هجمات سياسية، واستخدام تشبيهات جنسية، في خطاب له أمام اجتماع للكشافة".
ويفيد الكاتب بأن "ترامب لم يكن الوحيد غير الراضي عن تيلرسون، حيث أدرك زعماء العالم أن تيلرسون لا يتكلم دائما عن رئيسه، بالإضافة إلى أن تيلرسون وافق على تخفيضات كبيرة لميزانية وزارته، ورفض أن يقوم بتعيينات كثيرة، وحث دبلوماسيين ذوي خبرة على البحث عن مستقبلهم في مكان آخر، ويبدو أن رحيل تيلرسون سيسعد مؤيدي إسرائيل، مثل شلدون أديلسون، ومن يسمون (المستعربين) في وزارة الخارجية الأمريكية".
ويرى شاليف أنه "في المقابل، فإن بومبيو يبدو متناغما مع ترامب، شخصيا على الأقل إن لم يكن في المسائل السياسية كلها، على عكس تيلرسون، الذي كان غريبا على أساليب واشنطن، فخدم بومبيو لست سنوات عضوا في الكونغرس عن كانساس، وقد يخفف تعيينه بعض الفوضى التي طغت على سياسة ترامب الخارجية، وبالتأكيد سيجد من السهل الحصول على مصادقة ترامب على تعييناته لكبار الدبلوماسيين، بما في ذلك منصب السفير الشاغر في كوريا الجنوبية".
وينوه الكاتب إلى أنه "من ناحية أخرى، فإن إقالة تيلرسون تبرز استمرار ترامب في التخلص من المسؤولين المخلصين لوظيفتهم أكثر من إخلاصهم له، ويتوقع أن يكون الشخص التالي الذي ينتظر الإقالة مستشار الأمن القومي هيربرت ريموند ماكماستر، الذي مثل تيلرسون، تم تحذيره مسبقا من خلال تسريبات صحافية بأن إقالته باتت وشيكة، وهو ما سيسعد نتنياهو وأديلسون وغيرهما، وبالتأكيد فإن إقالة تيلرسون ستكون أثارت استياء وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي عرف عنه توافقه مع تيلرسون، والطريقة المفاجئة التي تمت فيها إقالة تيلرسون لن تجعل الآخرين حريصين على قبول مناصب كبيرة في إدارة ترامب؛ خوفا من خروج سريع ومفاجئ".
ويذهب شاليف إلى أن "مغادرة تيلرسون قد يرافقها تشدد في خطاب ترامب تجاه روسيا، كما كان واضحا يوم الثلاثاء بذكره لأول مرة روسيا في سياق مؤامرة التسميم في إنجلترا، وقد يكون توقيت ترامب لإعلانه المفاجئ للإقالة محاولة لصرف الأنظار عن احتمال كسب الحزب الديمقراطي في انتخابات الدائرة 18 في غرب بنسلفانياـ وما هو أكيد فإن إقالة تيلرسون ستزيد من تخوف العالم من طبيعة ترامب المتهورة، الذي على عكس الصورة التي حاول أن يعكسها عن نفسه بصفته رجل أعمال كبيرا، حيث تظهره تصرفاته كونه رئيسا كأنه مدير فاشل لبقالة صغيرة".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الكثير من الزعماء سيقلقهم ما يرونه من استعداد ترامب للتخلي عن حلفائه في الخارج، والموالين له في الداخل، إن كان الأمر يناسبه، وهو مصير يشعر نتنياهو، لسبب ما، أنه في أمان منه".