كانت تعاني كثيرًا من الغاز المسيل للدموع والحجارة واعتداءات جنود الاحتلال، كون معسكر عوفر الإسرائيلي يقع بالقرب من مدرستها، حيث المواجهات شبه الدائمة هناك، فقررت برفقة عدد من زملاء مدرستها تشكيل لجنة للدفاع المدني، ثم خاضوا تدريبًا في الإسعاف المدني وحصلوا على بطاقات تسمح لهم بالإسعاف في مخيم الجلزون وقريتها بيتونيا.
نسرين عميرة (19 عامًا) التي لم يُسمع عنها من ذي قبل، كانت مجرد متطوعة في فرقة الدفاع المدني، قبل أن توثق الكاميرات مشهد إنقاذها لجريح فلسطيني ومنعها جندي إسرائيلي من اعتقاله، لتصبح "أيقونة" في الشجاعة والاستبسال، كما وصفها آخرون بـ"المسعفة الإنسانة".
فرغم أزيز الرصاص فوق رأسها وتوجيه الجنود لفوهات البنادق نحوها بشكل مباشر، إلا أنها أرهفت سمعها لأنين المصاب، متجاهلة الضرب المبرح الذي تلقته من الجنود، وهي تعلم أن ضغطة أصبع ما بين بقائها أو استشهادها.
تحكي "عميرة" في حديثها لـ"الرسالة": " تطوعي في الدفاع المدني لا يقتصر على المواجهات، بل أيضًا على فعاليات الأسرى والشهداء والمساعدة في الكوارث والحرائق".
حيث تدرك الشابة "نسرين" أن الخوف ليس له مكان في عملها، مهما كان الخطر كبيرًا، فجل اهتمامها يكون موجهًا نحو الجريح وكيفية إنقاذه، وتسترسل: "لا مجال في هذه المواقف للتفكير بالنفس فما قمت به أعتبره واجبًا عليّ فقد كنت من المستحيل أن أسمح للجندي باعتقال الشباب".
وأظهرت صور الحادثة شجاعة الشابة عميرة وزملائها الذين تعرضوا للضرب والتهديد بإطلاق النار ورش "الفلفل"، ثم إطلاق الرصاص الحي فوق رؤوسهم، "ضربوني على ظهري وبطني وكتفي.. ولم أترك الشاب" تقول.
وكانت المواجهات قد اندلعت قرب الشارع المؤدي إلى حاجز المحكمة على المدخل الشمالي لمدينة البيرة بالضفة الغربية، بين طلاب جامعة بيرزيت والجامعة العصرية من جهة، وجنود الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، تنديدًا باختطاف "المستعربين" رئيس مجلس طلبة بير زيت عمر الكسواني من حرم الجامعة بعد اقتحامها قبل أيام.
تروي "عميرة" ما دار بينها وبين الجندي الذي ظهر بعصبية في الفيديو الذي تم نشره، وهو يوجه فوهة بندقيته ويسددها على رأسها صارخًا بها لترك الشاب، مهدداً إياها بإطلاق الرصاص عليها، بينما هي تصرخ بصوت أعلى: "فشرت عينك تاخده وأنا حيّة..بدّك تطخ طخ"!
وتكمل: "كل حركاتهم بالبنادق لم تخيفني وقتها ولم تجعلني أتراجع للحظة، فهدف حماية الجريح وضعته نصب عيني، لأن عملي ورسالتي الإنسانية أقوى من هكذا جنود بأسلحتهم".
من بلدة بيتونيا بين القدس ورام الله ينحدر أصل "نسرين عميرة"، حيث درست تخصص "فني أسنان"، وترعرت في أكناف عائلة مثقفة تغرس الانتماء للوطن في نفوس أبنائها منذ نعومة أظفارهم، وهي امتداد لأم مثقفة مناضلة وصحفية وأب لقنها معنى أن يزحف الاحتلال في الأرض كي يسرقها قبل رحيله من الحياة.
"لا أستطيع وصف ما رأيت سوى أنك يا نسرين عميرة الفلسطينية بحق"، هكذا عبرت أماني رباح عن فخرها بفعل "عميرة" عبر صفحتها على فيسبوك.
بينما كتب أشرف بركات"#نسرين_عميرة_تستحق_وسام_القدس، انشروا هذا الهاشتاج لأن المرأة الفلسطينية تستحق".
فيما غرد د.ناصر لحام عبر تويتر: "الاحتلال يسرق جثامين الشهداء، ويختطف طلبة الجامعات، ولكن المسعفة نسرين عميرة منعت سرقة الجرحى هذا اليوم".
ورأى الناشط حسن سليم أن هذه الصور والمواقف من الفلسطينيات المناضلات، تكفي لتجعل من يطالب بتعزيز مشاركة المرأة أن يتراجع، ويغير خطابه، بالانتقال من الترجي إلى الضرب على ظهر الطاولة، ودعا من لا يزال مترددًا بالقبول بمشاركة المرأة على قاعدة أنها تستطيع، أن يتراجع، بل ليخجل من تردده ويطلب الصفح.