نقابة الصيادين: خسرنا موسم عامين متتاليين بسببها
مركز حقوقي: وضعهم مأساوي ويتعرضون لانتهاكات متواصلة
غزة /لميس الهمص
خرج الصياد ماهر بركات بعد رحلة طويلة من البحر وهو يحمل كمية محدودة من الأسماك المتناثرة ، واختلفت ملامح وجهه الساخطة على ما يجري داخل البحر ، حيث تمنع قوات الاحتلال دخول الصيادين أكثر من ثلاثة أميال بحرية ، بعد أن كانوا يصلون لضعف تلك المسافة.
وحدت تلك الإجراءات من فرص الصيد فانخفضت كميات الأسماك المطروحة في السوق إلى درجة كبيرة أدت إلى ارتفاع أسعارها إلى معدلات لا تطيقها ميزانيتهم المنهكة أصلاً بسبب الحصار.
وضع مأساوي
ويمارس مهنة الصيد في قطاع غزة حوالي 3500 عامل يستخدمون 700 قارب مختلفة الأحجام، يعتاش من ورائها أكثر من 70 ألف نسمة، فيما يعمل مئات الصيادين من خلال قوارب صغيرة وعادة لا يكونون مسجلين ضمن النقابة وتتركز غالبيتهم في محافظة شمال القطاع.
وكما يقول بركات فان الاحتلال لم يكتف بمنع دخول الصيادين لعمق أطول بل يطلق النيران على كل من يحاول تجاوز بحر دير البلح جنوبا ، والواحة شمالا بحجة مكافحة التهريب.
داخل ميناء غزة اتكأ الصياد أحمد حبوش على الرمال وقد بانت على ملامحه تجاعيد الكبر ، ونظرات عيونه التي تفيض بالحسرة، تقرأ من خلالها ما يعتمل بداخله من أمواج الألم والمعاناة التي اصطدمت بصخرة المنع الإسرائيلي له ولأقرانه من الصيادين.
حبوش وزملاؤه الصيادون اشتكوا "للرسالة" من سوء أوضاعهم التي باتت مائتي درجة تحت الصفر كما يصفونها حيث تلاحقهم قوات الاحتلال في أرزاقهم وتمنعهم من التقدم أكثر من ميلين، مع أن السمك يتواجد أبعد من ذلك بكثير ، وفي حال حاولوا الدخول لمسافة أكبر تبدأ قوات الاحتلال بفتح نيران رشاشاتها تجاههم .
يشار إلى أن ذروة السمك تكون في فترتين من العام وهما ما يطلق عليهما " بالعتمة " حيث تمتد الأولى من منتصف ابريل وحتى منتصف يونيو ، والثانية في تشرين أول وتشرين ثاني " أكتوبر ونوفمبر " والتي يطلق عليها "عتمة التشارين" .
ويعًد الصيادون أنفسهم طوال العام للعمل في "العتمتين" اللتين يتوفر فيهما الرزق الوفير ، لكن آمالهم خابت أمام عدوان الاحتلال وممارساته التعسفية بحقهم التي أدت لتراجع عملهم وانتكاس موسم الصيد بشكل ملحوظ .
ويقول حبوش أنهم تعرضوا في أحيان كثيرة لمياه المجاري التي تضخها قوات الاحتلال عليهم مباشرة وتدوم رائحتها لما يزيد عن خمسة أيام على جسم الإنسان ، ومن شدتها تعمل على انقلاب مراكب الصيادين .
واشتكى الصياد من قلة المساعدات المقدمة لهم والتي تعوضهم عن الضرر الذي لحق بهم، كما اشتكى من غياب الخدمات التي من المفترض أن توفرها وزارة الزراعة وبلدية غزة.
خسائر فادحة
خسائر الثروة السمكية المباشرة عن كل يوم إغلاق للبحر تصل إلى 70 ألف دولار، إضافة إلى خسائر أخرى تقدر بـ 30 ألف دولار يوميا ناتجة عن عدم قدرة الصيادين على العمل في موسم الصيد، وقدرت في مايو الماضي مجموع الخسائر بما يزيد على 27 مليون دولار.
في ذات السياق ذكر نزار عياش رئيس نقابة الصيادين بقطاع غزة أن ممارسات الاحتلال لم تتوقف منذ أعوام طويلة وهي تزيد حسب السياسة فبعد الانتفاضة ازدادت حدة المضايقات، ثم تضاعفت بعد اسر الجندي شاليط حتى وصلت إلى ذروتها بعد الحرب الأخيرة على غزة فبدأت تتقلص المسافة من عشرين ميلا إلى عشرة ثم إلى ستة حتى وصلت إلى ثلاثة أميال فقط .
ومن الممارسات ضد الصيادين يقول:" يتم اعتقال الصيادين وسحبهم إلى ميناء "السدود" ومصادرة قواربهم فقد اعتقل خمسة صيادين الأسبوع المنصرم وسحبوا لميناء السدود وتم الإفراج عنهم في نفس اليوم بعد مصادرة قاربهم الذي لم يرجع لهم حتى الآن"
وبين أن الإفراج عنهم يدلل على عدم اقترافهم لأي ذنب لكن ما يحدث هو ضغط على الصيادين لمنعهم من دخول البحر.
ويتابع عياش: كما يتعرض الصيادون لسرقة الشباك وإغراق المراكب علاوة على الخسائر التي يتكبدونها نتيجة منع التصدير.
وبحسب عياش فإن أعدادهم في ازدياد نتيجة للبطالة ومنع العمال من الدخول للخط الأخضر .
وأوضح عياش أن ما كان يحصلون عليه من السمك يصل لثلاثة أطنان سنويا فيما يبلغ الآن طنا واحدا فقط أي بمعدل الثلث ، منوها إلى خسائر تجار الشباك لفقدانه من الأسواق وإغلاق المعابر.
واشتكى عياش من ضياع موسمين على الصيادين فكان العام الماضي غلاء السولار سببا لضياع الموسم أما العام الحال فتقليص المسافة لثلاثة أميال حرمت الصيادين من الوصول للأسماك .
وحول شكوى الصيادين من قلة الخدمات المقدمة لهم من البلديات ذكر أن الخدمات شبه معدومة في مدينة غزة بعد أن تم نشر الكشافات على الشاطئ على حساب النقابة للرؤية الليلية، مشيرا إلى عدم وجود عمل جاد في هذا الجانب.
خسائر بشرية وعينية
وقال المهندس جهاد صلاح من الإدارة العامة للثروة السمكية بوزارة الزراعة في غزة إن الخسائر البشرية وصلت منذ الحرب الأخيرة وحتى الآن إلى 3 شهداء وإصابة 22 آخرين بجروح مختلفة فيما تم تسجيل (166) ملف أضرار بين تدمير كلي وجزئي للمراكب والمعدات وان الاحتلال صادر (20) حسكة تجديف تستخدم للصيد مع فقدان وخسارة معداتها او تدميرها ومصادرة عدد (2) لنش بحري لمدة 50 يوما ثم الإفراج عنهما وفقدان وتدمير معداتهما.
وأصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تقريراً بعنوان "الاعتداءات الإسرائيلية على الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة"، تناول فيه نتائج الاعتداءات الإسرائيلية على صيادي القطاع وقطاع الصيد البحري خلال الفترة من أول حزيران 2008 حتى نهاية آب 2009.
ويرصد التقرير التداعيات الخطرة الناجمة عن تدمير مرافئ الصيد البحري ومنع الصيادين من ركوب البحر وممارسة مهنة الصيد خلال فترة العدوان الحربي الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة، والتي اعتبر أنها ترتقي لكونها انتهاكات جسيمة.
ويخلص التقرير إلى أن صيادي القطاع باتوا يعيشون أوضاعاً مأساوية، حيث تتدهور حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستمر جراء الحصار البحري المفروض على القطاع، الذي يحول دون تطوير أوضاعهم المعيشية وأفراد أسرهم، ويكرس انتهاك حقهم في التمتع بمستوى معيشي لائق، ومعاناتهم من الفقر والبطالة والحرمان.
ويتضمن التقرير تصنيفاً للانتهاكات التي اقترفتها القوات المحتلة ضد صيادي القطاع، ويرصد انتهاكات الحق في الحياة والأمن والسلامة، بما في ذلك استشهاد صياد، وإصابة 8 صيادين آخرين بجروح مختلفة.
كما يشمل التقرير رصد عمليات القوات البحرية المحتلة العسكرية شبه اليومية، وقيام أفرادها بترويع الصيادين وإرهابهم، عبر إطلاق النيران باتجاههم في عرض البحر وإصابتهم أو اعتقالهم أو محاصرتهم وتدمير أو مصادرة قواربهم ومعدات الصيد الخاصة بهم.
وتناول اعتقال القوات البحرية المحتلة 55 صياداً، إضافة إلى 3 متضامنين أجانب في عرض بحر قطاع غزة خلال الفترة التي يغطيها التقرير، علاوة على مصادرة 31 قارباً للصيد وعدد من شباك الصيد.
ورصد التقرير منع صيادي القطاع من الصيد بشكل تام خلال فترة العدوان الحربي على القطاع، وتقليص المساحة المسموح للصيادين بالوصول إليها من 6 أميال بحرية خلال عام 2008 إلى 3 أميال بحرية فقط منذ بداية العام الحالي.
ودعا المركز المجتمع الدولي، خاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، إلى التدخل الفوري والضغط على السلطات الحربية الإسرائيلية المحتلة لوقف انتهاكاتها ضد الصيادين.
حملة دولية
في حين استنكرت الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار عن قطاع غزة عملية القرصنة التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصيادين الفلسطينيين واعتقال خمسة منهم في عرض بحر شمال غزة ومصادرة قاربهم واقتيادهم إلى جهة مجهولة.
وأكدت الحملة "إن هذا الاعتداء بحق الصيادين الخمسة يضاف إلى سلسلة طويلة من الاعتداءات والممارسات العدوانية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بحق الصيادين وفي مقدمتها منعهم من ممارسة حقهم الصيد إضافة إلى الاعتقال وإطلاق النار ومصادرة أدوات الصيد.
ودعت الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار إلى أوسع حملة دولية للتضامن مع الصيادين الفلسطينيين في مواجهة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المتصاعدة بحقهم .
واعتبرت الحملة أن استمرار الصمت الدولي تجاه الاعتداءات الإسرائيلية والحصار المفروض على أبناء الشعب الفلسطيني شجع الاحتلال على تصعيد اعتداءاته وبخاصة بحق الصيادين لما تمثله مهنة الصيد من أبعاد سيادية وطنية واقتصادية هامه مؤكدا على خطورة هذه الاعتداءات على واقع الصيادين الذين يسعون إلى رزقهم.
وطالبت المجتمع الدولي ومؤسساته الإنسانية والحقوقية بالتحرك والتدخل العاجل لوقف الاعتداءات بحق الصيادين الفلسطينيين .
وكما طالبت بضغط دولي على قوات الاحتلال للسماح للصيادين بالصيد في مياه بحر قطاع غزة الإقليمية بكل حرية وأمان وتدعو إلى أوسع حملة تضامن شعبية واسعة مع الصيادين الفلسطينيين وتعزيز صمودهم في مواجهة اعتداءات الاحتلال.
كما دعت الحملة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تخصيص برامج دعم للصيادين الفلسطينيين على كافة المستويات لتمسكهم بمهنتهم.