دلالات مناورات الصمود والتحدي القسامية المناورات العسكرية التي تجريها القسام ليست ترفاً عسكرياً، ولا مجرد نشاط تقليدي للتأكد من مدى جهوزية قوات فقط، والاطمئنان إلى مدى قدرتها على تنفيذ ما يسند إليها من مهام للحفاظ على المصالح العليا، بل هي إضافة إلى ما ذكر نشاط عسكري ممنهج وهادف ويتضمن الكثير من الدلالات والرسائل المطلوب إيصالها بشكل مباشر وغير مباشر وإلى أكثر من جهة، وبمقدار ما يصل مضمون الرسائل المعدة مسبقا بدقة إلى الجهات المستهدفة بقدر ما تكون مناورات القسام ناجحة والعكس صحيح.
ومن المفيد هنا التذكير، أن كتائب القسام تستمر في أعمال التدريب ليلاً ونهاراً وفي مختلف الظروف الجوية، وعلى الأراضي التي تشابه أرض المعركة الحقيقية مع ملاحقة مستويات الكفاءة المعاصرة، وما يستجد في ساحة القتال من أساليب قتال حديثة أو تطور في أسلحة القتال، وعدم السير على نمط واحد، بل إننا نلاحظ من خلال المعارك الأخيرة التي خاضتها كتائب القسام مع العدو الصهيوني أنه أنشأ قواته ودربها على تغيير الخطط، مع خلق مواقف معركة مفاجئة وغير متوقعة حتى تتعامل مع أسوأ المواقف التي يمكن أن تتعرض لها في ميدان القتال .
لذلك أنجح الحروب هي التي يتم فيها تحقيق الأهداف دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية أو الصراع المسلح، ومن المسلم به أن الغاية من الحروب عبر التاريخ كسر إرادة العدو وإرغامه على تغيير مواقفه وسلوكه بما يحقق مصالح من يقوم بشن الحرب إذا كانت هجومية، وفي هذه الحال فإن استعراض المقاومة لقوتها وعرض القدرات العسكرية التي تمتلكها، حيث يؤدي تنفيذ المناورات العسكرية إلى إفهام أصحاب الرؤوس الساخنة بأن أي مغامرة أو مقامرة قد تكون تكلفتها تفوق طاقة تحمل من يفكر بشن الحرب، سواء أكانت دولة الاحتلال أو قوى داخلية.
ومن هنا يكتسب عنوان المناورات وأهدافها المعلنة أهمية استثنائية لأنها تشيران بوضوح إلى العدو المفترض، فلكل مناورات عسكرية، هجومية كانت أم دفاعية، عدو مفترض، وعادة لا يتم الإفصاح عنه بوضوح لكن التسمية والأهداف المعلنة تحددان اتجاه البوصلة بشكل يساعد على إيصال الرسائل المتعددة التي تتضمنها المناورات العسكرية .
فما هي الأهداف التي تود قيادة القسام تحقيقها من هذه المناورات التي تعد الأضخم والأهم في تاريخ القسام والتي يعلن عنها ؟ وهل ثمة رسائل داخلية وإقليمية؟ وكيف يمكن فهم تزامن المناورات مع ازدياد أخطار العبث بالقضية الفلسطينية، كثيرة هي التساؤلات المشروعة التي تطرحها مناورات التحدي والصمود، سأكتفي بالإشارة إلى عدد من النقاط التي يمكن أن تحمل في طياتها ملامح بعض الإجابات على تلك التساؤلات، ومنها:
• اشراك مختلف التشكيلات العسكرية لكتائب القسام وصنوف الأسلحة البرية والبحرية والجوية يحمل طابعا استراتيجياً عنوانه : أية مواجهة محتملة ستكون شاملة وتتطلب استخدام كل القدرات العسكرية المتاحة لردع أي عدوان على غزة، ولمنع أي تطاول على حقوق شعبنا ومصالحه وثوابته الوطنية.
• حملت المناورات اسم التحدي والصمود، ولهذا دلالات بالغة الأهمية، وبخاصة في هذا الوقت الذي يتم العمل فيه على حصار وتركيع المقاومة والحديث عن سلاحها الذي هو شرفها ومكمن عزتها وأن القسام قادر على الصمود والإبداع وتحويل التحدي إلى فرصة .
• ولا شك أن في هذه المناورات رسالة أكثر من واضحة، فعندما تتعرض المصالح العليا للقضية الفلسطينية وعندما يتعرض امن غزة الداخلي للخطر فعلى من يشكل هذا الخطر أن يدرك قوة المقاومة إذا فكر أحد ما بالعربدة خارج الخطوط الحمراء، ولعل هذه الرسالة قد تلزم نتنياهو وغيره على وضع الذيل بين الأرجل وابتلاع مرارة العجز وغصة الانتقام غير المتاح وغير الممكن.
باختصار شديد يمكن القول، إن مناورات التحدي والصمود القسامية بقدر ما تحمل من رسائل القدرة على إيلام من يفكر بإيلام غزة ومقاومتها، فإنها بالقدر ذاته تتضمن رسائل داخلية لطمأنه المواطن في غزة الذي يتجهز لمسيرات العودة الكبرى أن مقاومته قوية وقادرة على حماية مصالحه، ولديها بيئة مثالية للاستثمار، لأن الاستثمار يستظل دوما بفيء القدرة على تأمين الاستقرار، وفي الوقت نفسه هي رسالة للداخل والخارج المراهن على إمكانية العبث بأمن غزة واستقرارها، وإذا كان هناك من يحلم بنقل النار إلى الداخل الغزاوي فعليه أن يعيد حساباته.
كما على من ارتضى أن يكون جزءاً من استهداف العدو ضد وطنه أن يقتنع بأن لا قوة في الكون تستطيع حمايته أو تمكينه من العبث بالأمن الداخلي، بالختام كفلسطيني مسلم أشعر بالفخر والاعتزاز بهؤلاء الرجال الذين أعدوا وتجهزوا وتوكلوا على الله ، فكانت معية الله حاضرة في أنفاقهم وسلاحهم، واليوم يعتز الشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم برجال كتائب القسام تقديرا لهم ولتضحياتهم فهم حقا هم رجال الله .