قائد الطوفان قائد الطوفان

"وجدان".. "حبي للأرض.. وصمودي لها"!

مكتوب: مزارعة في أواخر العقد الخامس لم تؤمن بأن المرأة مجرد نصف!

غزة - أمل حبيب

كدوران الرحى تشبه حياة وجدان أبو طير، تلك المزارعة التي أبصرت النور قبل 52 عامًا على قطعة أرض خضراء تحتاج ماءً وهواءً وكل الحب!

ساعتان أو أكثر على الحدود الشرقية لبلدة عبسان الكبيرة شرق خانيونس جنوب القطاع اندمجنا خلالها مع حياة وجدان، تلك الفلسطينية التي أدركت مُبكرًا أن المرأة كل المجتمع ولم تؤمن يومًا بقيمة الأنصاف!

تجاوزت خمسة عقود من الزمان ولم تتوقف عن العطاء، وتُعرف عن نفسها فتقول: "مزارعة منذ الصغر أزرع وأنكش مع اخواني ووالدي"، تساوي راحتي يديها ببعضهما ثم تقول: "مثل الرجل في الأرض، فش فرق بين الولد والبنت".

وجدان المكوك!

لم تنشغل عن الأرض طيلة تواجدنا معها، أو لحظة نصب كاميرا "الرسالة" في وجهها، وضعت المايك الصغير بنفسها، وعيناها تدور حولها، تتفقد الخراف هل تجمعت حول العشب، ثم تلقي بنظرها على الفلاحات وهن يقتلعن العشب الزائد من الأرض. أم لستة أبناء، لم يكن عائقًا أو ضغطًا عليها سيشغلها عن حبها وانتمائها لأرضها الزراعية، تضع مشروب البابونج وطبق اللوز الأخضر أمامنا ثم تقول: " ابني يدرس في الجزائر وعندي ابنة تتخصص علوم شرطية وأخرى محامية وآخر يدرس صحافة واعلام". وجدان التي اعتادت أن تزرع الأرض وتحصد الخير لها ولعائلتها منذ عشرات السنين، تؤكد بأنها ليست أم ومزارعة فقط، حيث أنها تعمل بلجنة حي المنطقة، وعضو مجلس إدارة في ثلاث جمعيات، ومسؤولة لجنة الصليب الأحمر في المنطقة الشرقية بخانيونس.

منذ 12 عامًا في هذه الأرض تزرع الزيتون والقمح والعدس والبازلاء، وتشير لنا الى العدس الذي غطى أقدامنا وتشرح بأن العدس البلدي يحتاج الى شهر لحصاده، وأن التبن سيكون للمواشي والعدس الحب للبيع وجزء منه لاستهلاك البيت.  بين الحين والآخر تذكرنا بمهامها اليومية "بغسل، بطبخ، بكنس، بعشّب بالأرض.. زي المكوك في البيت". كان حديثها صادقًا لدرجة كبيرة وهي تعترف وتلخص حكايتها "عندي قوة، أنا عندي عزيمة.. بحبش الضعف، حبي للأرض.. صمودي الها".

ذاك الصمود الذي تجلى في حياتها ابان الحروب على غزة، حيث كانت آخر من يغادر المنطقة الحدودية، وتعود بذاكرتها الى العدوان الأخير على القطاع وهي تؤكد بأنها غادرت أرضها قبل عشرة أيام من انتهاء الحرب فقط!

الاحتلال الذي حرق أرضها بقذائف دباباته وصواريخ طائراته، وهو نفسه الذي يدرك قيمة الأرض بالنسبة للفلسطيني، وتقول هنا: " راح الشجر والصبر والزيتون كله جرفوه وحرقوه".

ثوبها المطرز الذي امتص حب الحب كما وجدان كان حاضرًا معنا، وفي كل حبكة من تطريزه الفلاحي حضر فصل جديد من كفاحها، حيث عادت لزراعة أرضها واشترت الغنم والمواشي، كانت كمن يجيد البدء من نقطة الصفر حتى يصل الى الألف ميل وهو يدرك أنه قد يعود للصفر من جديد لو اشتاق المحتل للدم من جديد!

"وجدان" علك تدرك أن اسمها كان لها منه كل النصيب، وهي التي تعتبر الأرض جزءًا من كيانها، تشعر به، تخاطبه، تحن عليه حتى يكبر!

تغيرت ملامح وجهها وهي تضم يديها على صدرها وتقول: "بحس لما أقعد في الأرض بتمتص كل الطاقة السلبية مني وبتعطيني الراحة والنشاط من جديد". سيدة الأرض هنا وأم الحكاية في عبسان الكبيرة، لم يغادرنا صوتها حتى بعد أن غادرنها وهي تنبه بأن المرأة الفلسطينية هي أساس المجتمع ونوره الدائم لأنها أم الشهيد وأم الأسير والمناضلة حتى آخر الأنفاس!

البث المباشر