قائد الطوفان قائد الطوفان

عشية يوم الأرض

"قرى في السياج".. تُبكي ذاكرةَ الحاج السبعيني"الزهيري"

 الزهيري
الزهيري

الرسالة-ياسمين عنبر

"ماذا تعني لك الأرض؟" كان السؤال الوحيد الذي توجهنا به إلى الحاج السبعيني "أبو جمال الزهيري" طوال حديثنا معه، فكان كافيًا لأن تنهمر على ذاكرته أحداث قريته "عرابة البطوف" كما أرضه التي سُيِّجت منذ 42 عامًا.

ثلاثة وثلاثون ربيعًا كان عمر "أبو جمال" قبل أن يحولوا سنوات عمره إلى خريف لا يزهر ثانية إلا حين عودة الأرض إليه، كما يحكي.

"باختصار..حرموني ضي عيوني" هكذا عبَّر الحاج "الزهيري" عن لحظة رؤيته للمستوطنين وهم يلفون أرض البطيخ بسياجهم والتي كانت "كأحد أبنائه"!

"الأرض هي العرض والعمر والشموخ والجهاد، هي كل الحياة"، يقول "الزهيري" بصوت مرتجف ثم راح ينشد: "مهما عملوا فينا..بالأرض نحنا مزروعين، احنا أصحاب الأرض..لا مش نحنا لاجئين".

"توتة الدار وطابون ستي وزيتونة الحاكورة وأهازيج نسوة سخنين في البيادر والجلوس تحت ظلال الخروب والسفرجل"، أكثر الحكايا التي أوجعت قلب السبعيني وذاكرته فبكى!

وبوصفه لبطيخ "سهول البطوف" يقول "الزهيري": "كان طعمه حلو وبزره كبير ولونه أحمر شديد"، فكل القرى المجاورة كانت تنتظر بطيخ "سهل البطوف" وفقوس "الجليل"، كما المدن الفلسطينية جميعها.

وقرية "عرابة البطوف" هي من أمهات قرى قضاء عكا، تقع في الجنوب الشرقي من عكا، يكمل "الزهيري" متنهدًا: "البطوف موقع أثري يحتوي على بقايا قديمة، ومقام وأعمدة وقبور وصهاريج".

إلى ما قبل 42 عامًا عاد الحاج "أبو جمال" بذاكرته، حين كان بأرضه في قرية "عرابة البطوف"، حيث عاد من عمله ليرتاح قليلًا قبل أن تفاجئه دعوة مختار البلدة لاجتماع مهم.

استعجال المختار لهم، أثار مخاوف كثيرة في نفسه كما استغرابه إلى أن وصل "مضافة المختار"، وهو يستبعد كل البعد أن يكون الأمر متعلقًا بأمر خطير يتعلق بالأراضي، "أكثر احتمال وضعته في مخيلتي هو حل نزاع أو مشورة مهمة".

بكى "الزهيري" ثانية في حديثه مع "الرسالة" حين قال عن فاجعته والفلاحين وأهل القرية جميعًا وقت أن أعلمهم المختار وصوله أمر من الحكومة الإسرائيلية عن مشروع "تطوير الجليل".

حيث أخبرته بأنها ستصادر مائتي دونم من الأراضي العربية في الجليل، واستبدالها بثماني قرى صناعية يهودية.

لم يكن يتوقع "الزهيري" أن وجعهم الحقيقي كما يقول سيبدأ حين يروا السياج قد لف حول أراضيهم الزراعية، وأنهم سيروا بأم عيونهم قوات الاحتلال تأتي لتحتل المنطقة وتهدم بيوتهم.

"لم تكن عرابة البطوف وحدها بل كانت رأس المثلث"، يحكي "أبو جمال" قاصدًا أن قريتي سخنين في الغرب ودير حنا في الشرق كان فيهما اجتماع للمختار وبنفس القهر!

بعد أسابيع من إبلاغ حكومة الاحتلال أمر الهدم والاستيطان، بدأت الحملات المسعورة ضد الفلسطينيين، في محاولة لمنعهم من أي ردود فعل حتى لو كانت سلمية.

في التاسع والعشرين من آذار قرر أهل القرى أن يضربوا تهديدات السلطات الإسرائيلية بعرض الحائط، بعد أن نشرت مجنزراتها ودباباتها وعشرات الجنود المدججين في قرى سخنين ودير حنا وكفر كنا وعرابة بطوف.

"وجعنا على شهداء الإضراب ومسيرات يوم الأرض لا يوازيه وجع"، يحكي الحاج السبعيني ثم يخصص حديثه عن الشهيدة "خديجة شواهنة".

ففي ساعات الصبح الأولى بالثلاثين من آذار، كان والد الشهيدة "قاسم شواهنة" يجلس مع عائلته على مصيف بيتهم في مدينة سخنين، ليعكر صفو جلستهم صوت رصاص قريب من بيتهم.

حيث خمنت العائلة وقتها أن طفله خرج للعب في حاكورة المنزل، وبسبب حظر التجول لم يخرج هو وقرر إرسال خديجة (23 عامًا) للبحث عن أخيها، ظنًا منه أن جنود الاحتلال لن يمسوا صبية ولن يعترضوا طريقها.

 وعلى بعد خطوات معدودة من منزلها، دخلت كتيبة من الجنود إلى المنطقة، فحاولت خديجة العودة إلى المنزل لشدة خوفها، لكن رصاصة قاتلة سبقتها واستقرت في ظهرها فاستشهدت.

أمنية تستقر في قلب السبعيني "الزهيري" أراد أن يبوح بها لـ"الرسالة" في نهاية حديثه: "كل أحلامي أن يطيل الله بعمري وأعود إلى البيدر وأن أجلس بأرضي التي حرمت جمال العمر بمجرد أن سيجوها وسرقوها".

وفي الثلاثين من آذار كل عام، يحيي الفلسطينيون يوم الأرض والذي تَعود أحداثه إلى عام 1976 بعدما صادرت سّلطات الاحتلال آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذات أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة، حيث عم إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب، واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات.

البث المباشر