تسيطر حالة من القلق على حكومة الاحتلال خشية تطور الأوضاع قرب السياج الحدودي الفاصل مع قطاع غزة، منذ انطلاق مسيرة العودة في الثلاثين من مارس الماضي، ويعكس ذلك تهديدات قادة الاحتلال للشباب الفلسطيني في محاولة فاشلة لثنيهم عن المشاركة في ظل تزايد أعداد المتظاهرين دون الاكتراث لأي تهديد موجه ضدهم.
وعلى ما يبدو، فإن التهديدات الإسرائيلية دليل على حالة الضغط التي يعيشها القادة هناك، عدا عن الهجوم اللاذع الذي تتعرض له الحكومة الاسرائيلية بسبب ما ارتكبه الجنود من جرائم ضد المتظاهرين السلميين في قطاع غزة.
وفي هذ السياق، وصب أفيغدور ليبرمان وزير الحرب الاسرائيلي لجام غضبه قبل أيام، بعدما زار منطقة غلاف غزة لمتابعة حجم الاستعدادات العسكرية لجيشه، مهددا سكان قطاع غزة قائلاً:" كل فلسطيني يقترب من السياج الفاصل يخاطر بحياته"، محذرا من القيام بأي أعمال "استفزازية"، زاعما أن "إسرائيل حددت قواعد عامة للتعامل مع الأحداث على حدود غزة"، مطالبا سكان القطاع بتوجيه احتجاجاتهم ضد قيادتهم، واستبدالها، بدلا من أن تكون ضد "إسرائيل".
ويتوقع قادة الاحتلال أن تشهد الجمعة المقبلة مزيدا من التظاهرات على حدود قطاع غزة، ولديهم استخلاص لعدد من الدروس والعبر للتعامل مع تطورات الأحداث، لذا قاموا بتعزيز تعليمات إطلاق النار باتجاه المتظاهرين الفلسطينيين الذين يتجاوزن مسافة الـ 300 متر من خط الهدنة وايجاد المزيد من العراقيل التي تحول دون اقتحامهم لمنطقة السياج الحدودية وفق ما نقله موقع "ويللا" العبري.
وتجدر الإشارة إلى أن المهمة الأساسية للجيش ستتثمل في تأمين العمل الجاري في الجدار التحت- أرضي لمواجهة الأنفاق.
ويقرأ د. مأمون أبو عامر المختص في الشأن الإسرائيلي، تهديدات ليبرمان بأنها تدل على حجم الضغط الذي يتعرض له القادة في "إسرائيل" بعد مسيرة العودة السلمية، مشيرا إلى أن الأحداث التي وقعت الجمعة الماضية أربكت المؤسسة الامنية الاسرائيلية ودفعت قادتها للتهديد والوعيد لكل من يقترب من السياج الحدودي.
ويوضح أن طبيعة السلوك الاسرائيلي في رده على المسيرات السلمية خلال الأيام الماضية انعكست نتائجه سلبا على الميدان مما وجه له انتقادات دولية أثارت حفيظة القيادات الاسرائيلية وجعلتهم يصبون جام غضبهم في محاولة لإخافة الشبان الفلسطينيين وتهديدهم حال اقتربوا من السياج الحدودي.
وبحسب متابعته للواقع الاسرائيلي، يقول:" إسرائيل تحاول إعطاء انطباع أنها ستلجأ للعنف، وذلك لأن مسيرة العودة أخذت تأثيرا قويا وايجابيا في المجتمع الدولي واعادت القضية الفلسطينية بعدما غيبت بسبب الأوضاع في المنطقة".
وبحسب أبو عامر، فإن أكثر ما أحرج "إسرائيل" هو استهدافها للمشاركين في المسيرة وقتلهم وهم يحملون الاعلام الفلسطينية، وكذلك قنصهم وظهورهم للحدود فكان دليلا قاطعا بالفيديو أن جنود الاحتلال يتعمدون قتل الأبرياء.
وكتب صحفيون وناشطون يساريون اسرائيليون مقالات يصفون فيها شعورهم بالخجل من دولتهم وأفعالها في قطاع غزة، ومن بينهم الصحفي أوري افنيري الذي قال: "أخجل من "إسرائيل"، وجيشها، واعلامها، والفلسطينيون سينتصرون (..) دولة قبيحة، ففي اليوم الأول للاحتجاج في غزة قتل 17 فلسطينيا، وأصيب المئات بالرصاص الحي، أحد هؤلاء لم يعرض حياة أي مواطن اسرائيلي للخطر".
بينما قالت الكاتبة والصحفية عميرة هاس: "تكشف "إسرائيل" في قطاع غزة عن خبثها، هذا المكان يكفي للتطرق لأربع ذكريات: مذبحتان نفذهما الجيش الاسرائيلي ضد سكان القطاع في حرب سيناء، قتل الجنود 275 فلسطينيا في خان يونس ورفح عام 1957، وفي عام 1967 تم اتخاذ خطوات عملية من أجل تقليص عدد سكان القطاع، وتهجيرهم، وايجاد دول تستوعبهم".
وعن الحرج الذي يعلن عنه الكتاب الاسرائيليين في مقالتهم الاخيرة بسبب موقف قادتهم، يوضح المختص في الشأن الاسرائيلي أبو عامر، أنه جاء بسبب الصور التي فندت الرواية الاسرائيلية الرسمية، وأظهرت أن المشاركين كانوا سلميين، بينما جنود الاحتلال كانوا يتعمدون قتلهم.
وتجدر الاشارة إلى أن هناك تعليمات إسرائيلية بنشر أكثر من 100 قناص للتعامل مع مسيرات العودة، وصرح لهؤلاء القناصة بفتح النار إذا شعروا بوجود خطر على حياة إسرائيليين"، عدا عن أن جيش الاحتلال قد يستخدم "الكثير من القوة" لإبقاء المعتصمين بعيدا، حيث يخشى الاحتلال اجتيازهم لـ "خط الهدنة"، وهو السلك الشائك الذي يفصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48.