مع أذان المغرب كل يوم، يشق الثلاثيني رائد أبو دية طريقه إلى مخيمات العودة شرق مخيم جباليا في منطقة أبو صفية، يدخل خيمته التي نصبها منذ أكثر من 10 أيام يتبادل الحديث مع صديقه الذي يشاركه المهمة.
أبو دية العاطل عن العمل منذ 4 سنوات، بسبب قلة فرص العمل في مجال البناء الذي يمتهنه منذ أن كان يافعاً، تطوع لخدمة مخيمات العودة ليلا وقتما يذهب بعض المواطنين لمنازلهم، في حين يعود لأولاده في صباح كل يوم.
ويشارك آلاف المواطنين في مسيرات العودة الكبرى على الحدود الشرقية لقطاع غزة منذ أسبوعين، والتي تستمر حتى ذكرى النكبة السبعين الموافقة الخامس عشر من الشهر المقبل.
وقال أبو دية الذي رافقه مراسل "الرسالة نت" رحلته من بيته إلى منطقة أبو صفية الحدودية: "لم أخطط لهذا العمل مسبقا، ولكن منذ الجمعة الماضي وحينما وجدت الأعمال البطولية لأبناء شعبنا، وتضحيات الشهداء والجرحى، قررت البقاء ليلا في المخيم لتعزيز صمود الموجودين".
وأكد أن المشاركة في المخيمات واجب وطني على الجميع، مبيناً أن برودة الأجواء ليلا لم تمنعه من البقاء في المخيمات حتى تحقق المسيرة أهدافها.
وأشار إلى أن الجلوس في مخيمات العودة بمثابة نزهة في مناطق لم يستطع الغزيون الوصول إليها منذ احتلال غزة عام 1967.
ويود أبو دية اصطحاب عائلته للمخيم لقضاء أوقاتهم هناك، في محاولة للترفيه عنهم، لافتا إلى أنه بات للمواطنين متنفس آخر في القطاع غير البحر.
وفي الخيمة المجاورة للمواطن أبو دية، يجلس مجموعة من الشبان الحالمين بالعودة لبئر السبع، يشعلون النيران ويشربون الشاي، محلقين بآمالهم نحو بلداتهم التي تبعد مئات الأمتار فقط عن مكان جلوسهم.
وزادت الكلمات البدوية حماس الشبان المتواجدين في المخيم والذين تجمعوا لسماع الدحية رغم صعوبة فهم بعضها، مع ذكرها الثورة وتمجيد الشهداء والإشادة بمسيرة العودة.
الشاب خالد أبو شباك يرى أن مخيمات العودة خطوة مهمة جدا للعودة إلى أراضينا المحتلة، رغم أنها جاءت متأخرة وكان يجب أن تكون منذ سنوات.
وكسابقه أكد أبو شباك أن برودة الأجواء الليلية لم تمنعه وأصدقاءه من البيات في المناطق الحدودية، داعيا الجميع للمشاركة لإنجاح المسيرة.
وأثنى على الروح الوحدوية لدى المشاركين، ومساعدتهم لبعضهم، مبينا أن جميع المشاركين في المخيم يتشاركون الأكلات مع بعضهم.
في حين يقيم العشريني أحمد حجاج حفلة شواء لأصدقائه في المخيم، قائلا: "خططت قبل فترة لإعداد "عزومة" لأصدقائي على بحر غزة، ولكن مع بدء مسيرات العودة، نقلت المكان إلى المخيمات الحدودية لتكون بمثابة نزهة ومشاركة في حق لا يمكن التنازل عنه".
ويشيد حجاج بالأجواء الليلية الرائعة في المخيمات، والخدمات التي تقدمها البلديات للمواطنين، وكذلك تبرع المواطنين بالمياه المعدنية والأكلات اللازمة للمرابطين في المخيمات.
ولا تخلو مخيمات العودة من الأهازيج الليلية والدحية، وزفات العرسان، والسهرات الشبابية وتبادل وجهات النظر حول القضايا المختلفة.
وتتسابق المخيمات المنتشرة بالمحافظات الخمس في قطاع غزة على تقديم أفضل الفقرات والفعاليات للمشاركين.
ولا يقتصر التواجد الليلي في المخيمات على الشباب فقط، فنجد أن الأمهات يتسابقن على البقاء في المخيمات لخدمة الشباب الموجودين وإعداد الطعام لهم.
ورغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية، تزداد الحملات التطوعية من المواطنين الهادفة لخدمة المتظاهرين وتعزيز تواجدهم في المخيمات.
تجدر الإشارة إلى أنه ارتقى أكثر من 25 شهيدا منذ بداية مسيرات العودة في الثلاثين من مارس الماضي وأصيب أكثر من 2000 مواطن، حيث أعدم الاحتلال المتظاهرين رغم سلمية تحركهم وعدم تشكيلهم خطراً على الاحتلال.