قائمة الموقع

الطفل "ماضي".. غنوا "سنة حلوة بالجنة" وأطفؤوا شمعته الأخيرة!

2018-04-15T07:12:27+03:00
58f22bd6ad8e3efd7c409ce845c5bab34_533_800
غزة-ياسمين عنبر

لم تكن صورة الشهيد أو مرثيات الوداع هي الدليل إلى بيت الشهيد "حسين ماضي"، بل كانت دموع فتى التقيناه في منطقة سكن الشهيد عند سؤاله، ليبكي ويحكي بعد صمت لافت: "وين بتلاقي السما حزينة، بتكون أم حسين بتبكي تحتها".

"انت أخوه؟ صديقه؟ جاره؟"، لم يقبل الفتى الإجابة واستمر في المشي بتثاقل ونظراته تحمل موجات من الحسرة، فأشاح بيده رافضًا الحديث، واكتفى بـ"بعد استشهاد حسين مات الكلام"!

تركناه ولكن دموع المرأة المسنة التي تستقبلك في بيت الشهيد "حسين"، لم تتركنا إلا وقد سردت ذكرياتها وحكاياتها معه، مستهلة حديثها: "أنا جدته وحسين أول أحفادي وكان فرحة قلبي".

لم تكن "أم حسين ماضي" جدة الطفل الشهيد أثناء حديثها تتكلم كما لو أن "حسين" حفيدها فقط، بل كانت تبكيه كأم له أخذته من أمه التي أنجبته بعد أيام من ميلاده.

فتركت الراحة جانبًا وراحت تربيه وتهتم به كما لو أنه خرج من أحشائها، تحكي وما انفكت تنظر إلى صورته في جوالها: "ما أعز من الولد إلا ولد الولد، فما بالكم لما يكون حسين!".

على كنبة مقابلة للجدة تجلس أم "حسين" التي افتتحت ربيع حياتها مع أول صرخة كانت لحسين يوم ميلاده في التاسع من إبريل، ليحل الخريف عليها للأبد حين صرخت هي وقت أن أتى أبوه بشهادة وفاته في يوم ميلاده الرابع عشر، "لما جابولي شهادة الوفاة في يوم ميلاده زي ما وقت جابولي اياه غرقان بدمه".

"حسين ماضي" الطفل الذي دفعه حبه لقريته "بيت جرجا" إلى أن يذهب للمشاركة في مسيرة العودة على الحدود الشمالية، بعد أن أحبها من "خراريف البلاد" التي لطالما سردتها جدته له ولباقي أحفادها.

أربعة عشر عامًا وحسين صديق أمه، ورفيق جدته في كل مشاويرها، وتوأم أخته التي تصغره بعام والتي لم تستوعب بعد رحيله وحيدًا دونما رفيق أو صديق! "ربيته خطوة بخطوة ودمعة بدمعة لحد ما قتلوا طفولته بثواني" تقول أمه المكلومة.

"كيف بدنا نحضر المباراة من غير حسين؟" كان سؤالًا بريئًا من أخيه الأصغر، الذي ينتظر عودة "حسين" كما لو أنه ذهب ليشتري له "حلاوة الهند" من السوبر ماركت وتأخر قليلًا مثلما يقول، وطفولته تكذِّب كل قول بأن "حسين رحل للأبد"!

مجموعة الكشافة التي أتت إلى بيت "حسين" أوجعت أمه وجدته، إذ بحثت بينهم عنه فلم تجده، حيث لم تعتد أن يكون غائبًا عن أي عرض كشفي إلا لعذر شديد، لكنه الآن سيغيب أبدًا.

فهي تعلم أنها ستفتقد سؤاله لها عن زي الكشافة الذي يحب، وهل غسلته له أم لا، وأسئلة كثيرة كانت تدور في خلدها وتبوح لـ"الرسالة" بها، "رغم أنها تفاصيل صغيرة إلا أنها تؤلم قلبي وتدب الحرقة فيه".

"هنا مددوه" تكررها الجدة كثيرًا أثناء كلامها، وهي التي ما فتئت تذرف الدموع مهراقة وهي تتذكر "حسين" الذي كان جليسها حين يزورها الأرق ليلًا، مشيرة إلى مكان وداعه حين أتوا به إلى البيت ليلقوا عليه النظرة الأخيرة.

اجتماعات المباراة التي كانت تعلو فيها ضحكات "حسين" سيفتقدها أعمامه كما تقول جدته، ليكون الصمت حاضرًا إلا من صرخة في قلب أبيه لن يستطيع إطلاقها.

حدس العائلة الذي اجتمعوا عليه يوم الجمعة كان غريبًا، حيث جدته التي كانت تشعر بأن سوءًا سيصيب حفيدها، عدا عن حلم عمته التي تستقر في ألمانيا بأن جنودًا (إسرائيليين) يشعلون نارًا قرب "حسين".

حلم العمة في الغربة كان كافيًا لأن تصحو مفزوعة تريد أن تسمع صوته عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما اعتادت كل يوم، إلا أن بكاء "والد حسين" كان هو المجيب لمكالمتها ليخبرها أن حبيب قلبها قد رحل!

"غنيت له سنة حلوة يا حسين سنة حلوة في الجنة" تحكي "أم حسين" وأسدلت ستار الكلام بعدها بصمت طويل، بعد أن أسدلت رصاصة غادرة ستارة موجعة على حياة طفلها.

اخبار ذات صلة