قائد الطوفان قائد الطوفان

الصيد الجائر يهوي بالثروة السمكية في بحر غزة نحو الانقراض!

الصيد الجائر يهوي بالثروة السمكية في بحر غزة نحو الانقراض!
الصيد الجائر يهوي بالثروة السمكية في بحر غزة نحو الانقراض!

الرسالة نت - تحقيق محمد شاهين

حين تزور حسبة السمك القابعة على الطرف الجنوبي لميناء غزة البحري، في ساعات الصباح الأولى، تلاحظ حركة نشطة للصيادين لعرض صيدهم للتجار الذين يبيعون الأسماك داخل الأسواق، ويلفت انتباهك أن معظم الأسماك المعروضة يقارب حجمها أصبع اليد الصغير، بينما تستطيع بسهولة إحصاء عدد الأسماك الكبيرة ومتوسطة الحجم.

ومن البديهي استخلاص أن مشكلة (الصيد الجائر) تقف وراء توافر الأسماك صغيرة الحجم مثل (بزرة السردين والقراص، والطرخون والبوري) داخل الحسبة التي تخضع لرقابة الشرطة البحرية والجهات المسؤولة عن تنظيم الصيد في قطاع غزة، بينما بالكاد مشاهدة الأسماك ذات الأحجام المتعارف عليها في البيع.

وبات من المعروف أن بحر غزة ومسافة الصيد التي يحجمها الاحتلال "الإسرائيلي" داخل الـ 6 أميال، لم يعد مكاناً وافراً بالأسماك، إذ يمارس داخلها قرابة الـ 4 آلاف صياد مهنتهم باستخدام معدات وشباك صيد يمنع استخدامها في جميع دول العالم، وحتى أن القانون الفلسطيني يحظرها، ما جعل ندرة الأسماك وشحها وحشاً يثقل كاهل الصيادين.

في بداية صياغة التحقيق، وحين قررنا الكشف عن أسباب الصيد الجائر للأسماك وما يترتب عليه من تدهور الثروة السمكية، اصطدمنا بحائط ممارسات الاحتلال، من تقليص مساحة الصيد واعتداءات متكررة على الصيادين، إلا أن البحث المتواصل "للرسالة"، كشف أن ثمة حلول ممكنة في متناول اليد يمكنها القضاء على هذه الظاهرة، ومن شأنها تحسين واقع الصيد بنسبة كبيرة، إلا أن تأجيلها من طرف الجهات المسؤولة أمر غير مبرر.

الشباك ضيقة

لم يخف الصياد محمد عبد الحليم علينا، أن شباك الصيد التي يستخدمها هي نفسها التي يحظرها القانون الفلسطيني، إذ يخبرنا أنه يضطر لاستخدامها نتيجة ندرة الأسماك المتوافرة، ما يجبره إلى استخدامها حتى لا يعود بخفي حنين ودون ان يجد ما يسد رمق أسرته.

يقول الصياد "للرسالة"، إن قطاع الصيد الذي يعمل به يمر بظروف استثنائية كونه يزاحم عشرات الصيادين في نفس المكان الذي يعمل به نتيجة تقليص مساحة الصيد، بينما بالكاد يستطيع أن يخرج بمردود مالي يمكن أن يكفي أسرته المكونة من 5 أفراد، نتيجة شح الأسماك، التي تعاني من كثرة شباك الصيد الذي يصطاد صغيرها قبل كبيرها.

يدرك تماماً عبد الحليم أن ما يفعله خاطئ، لكن حين يشاهد باقي زملائه الصيادين يستعملون نفس الشباك الضيقة التي تنال من أكبر عدد من الأسماك الصغيرة، يضطر إلى اتباع نفس الأسلوب المخالف للقانون الفلسطيني وحتى للضمير -الإنساني-حسب قوله، مؤكداً أن الرقابة القانونية لا تمنع هذه المعدات، وحين قررت قبل عام منعها، مارس الصيادون عليها ضغوطات أثمرت بإعادة استخدامها من جديد.

صياد: شباك الصيد التي نستخدمها تصطاد الأسماك التي تزن جرامًا واحدا وليس هناك بدائل

حال الصياد عبد الحليم، ينطبق على حال عشرات الصيادين الذين التقتهم "الرسالة"، وأقروا بأن شباك الصيد التي يستخدموها تعتبر من أبرز أسباب انعدام الثروة السمكية في بحر قطاع غزة، إلا ان ممارسات الاحتلال وتقليص مساحة الصيد تشكل لهم هاجساً وذريعة لاستعمالها، دون خوض التجارب التي من شأنها أن تضع حلولاً للمشكلة.

وتذرع عدد من الصيادين بأن الأسماك الصغيرة التي يتم اصطيادها تهاجر إلى مسافات بعيدة وتخرج من منطقة الـ 6 أميال حين تكبر، لذلك يجدوا أنفسهم مضطرين إلى اصطيادها لحين ينتهي الحصار البحري عن قطاع غزة ويسمح لهم بالدخول إلى ما بعد الـ 12 ميلا بحريا.

ويرى د. عبد الفتاح عبد ربه أستاذ العلوم البيئية المشارك في الجامعة الإسلامية، أن الثروة السمكية في قطاع غزة، تعيش ظروفاً سوداء وحالة من الانقراض نتيجة الصيد الجائر من قبل قرابة الـ 1000 قارب صيد داخل مساحة الـ 6 أميال على مدار الساعة.

ويكشف عبد ربه "للرسالة" أن الصيد الجائر يتم بطريقتين أساسيتين وهي طريقة الشباك ذات العيون الضيقة التي تصطاد جميع الأسماك بأحجامها المتنوعة، أما الثانية والتي تعتبر الأكثر خطورة، وهي باستخدام قوارب الجر القاعية التي يبلغ عددها في قطاع غزة 18 قاربا طول الواحدة يبلغ 22 متراً.

ويوضح، أن الصيد بطريقة الجر القاعية الذي يمنع استخدامه في جميع دول العالم، يعتبر أكبر مدمر للبيئية البحرية، كونه يكنس ويقشط كل ما هو في قاع البحر، ولا يقتصر صيده على الأسماك، وإنما يشمل الثروة الغذائية للأسماك ويزيل كل العناصر التي تعود بالفائدة عليها ويجعل قاع البحر كالصحراء القاحلة.

ويبين عبد ربه أن صيد الأسماك الصغيرة بالطريقة الجائرة يعرقل السلة الغذائية للأسماك داخل بحر غزة، حيث تعتمد الأسماك الكبيرة عليها كمصدر للتغذية، ما يفسر اختفاء الثروة السمكية حتى أن الأسماك التي تأتي لوضع البيض بالقرب من الشاطئ يتم اصطيادها خلال فترات يجب أن يمنع فيها الصيد بشكلٍ قاطع.

عبد ربه: استخدام قوارب الجر القاعية ينتهي بكارثة بيئية في بحر غزة ويحوله إلى صحراء

قاحلة

ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها واقع قطاع الصيد في غزة بسبب ممارسات الاحتلال إلا أن المختص في العلوم البيئية يناشد الجهات المختصة بتنظيم طريقة الصيد بقطاع غزة، ومنع استخدام الشباك الضيقة وقوارب الجر القاعية، كون ذلك يساهم في تحسين ظروف الصيادين بعد فترة زمنية محددة.

"الرسالة" وضعت مناشدة عبد ربه على طاولة المسؤولين، وبالتحديد م. عادل عطا الله مدير عام الثروة السمكية بوزارة الزراعة، الذي أكد أن ما يستخدمه الصيادون من شباك ومعدات صيد في قطاع غزة، تعتبر مخالفة للقانون الفلسطيني، وتعد من الأسباب الرئيسية لانعدام الثروة السمكية في القطاع.

ولم يخف عطا الله أن الوزارة بذلت مجهودات حثيثة للقضاء على هذه التجاوزات وتنظيم عملية الصيد خلال السنوات الماضية، إلا أن بعض التدخلات حالت دون الاستمرار في تنفيذها، كون قطاع الصيد يعيش حالة متدهورة بسبب ممارسات الاحتلال وبعض الصيادين الذين اعتادوا على الصيد الجائر لفترات طويلة.

ويؤكد أن الصيادين يستعملون شباك صيد يقل قطرها عن الـ 10 ملم، وهي في الأساس تستعمل لأغراض زراعية، ولا تفتك بالأسماك التي تزن جراما واحدا، كاشفاً أن الوزارة العام الماضي أصدرت قرارا بالمشاركة مع الشرطة البحرية بمنع استخدامها، إلا أنها اصطدمت بضغوطات كبيرة من الصيادين الذين تفاعلت معهم بعض الوسائل الإعلامية، وأتى قرار في النهاية بإعادة الصيد بها.

ويدحض عطا الله، نظرية بعض الصيادين بأن الأسماك التي يتم اصطيادها تهاجر بعد أن يزداد حجمها أو انتهاء موسمها، مؤكداً أنها تعود بأحجام أكبر وأوفر لو تم تركها، ما سينعكس بالإيجاب الكبير على حالة الثروة السمكية المتردية في قطاع غزة.

ويبن أن الوزارة أصدرت قرارا بمنع استيراد معدات وشباك الصيد التي ينقص حجمها عن 10 ملم، وهذا القرار لا يزال العمل به جارياً، إلا أن بعض التجار تمكنوا من جلبها عن طريق الأنفاق وطرق أخرى مخالفة خلال الفترات السابقة.

عطا الله: وزارة الزراعة بذلت مجهودات كبيرة لمحاربة الصيد الجائر، إلا أن بعض التدخلات حالت دون استمرار تنفيذها

ويضيف مدير عام الثروة السمكية أن التغلب على مشكلة الصيد الجائر، أمراً ليس بالصعب، وإنما يحتاج إلى إرادة حقيقية لدى الصيادين والجهات التنفيذية، حيث أن بحوزة الوازرة أكثر من مشروع يحتاج إلى تمويل، مثل إنشاء شعب مرجانية اصطناعية في عرض البحر بأكثر من منطقة تتجمع حولها الأسماك وتتكاثر، وعملية استزراع سمكي بحري، إلا أن ضعف الرقابة على مثل هذه المشاريع يحول هذه المشاريع إلى كارثة بيئية أخرى"، وفق قوله.

ويوضح أن الوزارة بدأت بالتجهيز لمشروع استزراع أسماك الدنيس داخل البحر وطرحها في الأسواق لتعويض كمية النقص التي تركها الصيد الجائر والحصار البحري على قطاع غزة، ثم ستبدأ خلال مراحل مقبلة باستزراع أسماك وإطلاقها للبحر بهدف التكاثر وتعويض النقص.

وفي نهاية حديثه، يؤكد عطا الله أن وزارته لديها الرغبة والقدرة على تنظيم عملية الصيد والقضاء على ظاهرة صيد الأسماك الصغيرة بالطريقة الجائرة، إلا أن ذلك يحتاج إلى عملية توعية للصيادين، وإيجاد حلول مؤقتة لهم خلال فترة منع وتنظيم الصيد، واستبدال معداتهم المحظورة بالمعدات المسموحة.

غير مبرر

بدروه، يوضح نزار عياش نقيب الصيادين الفلسطينيين، أن الصيد بالشباك الضيقة أمر غير مبرر كونه ممنوعا قانونياً ومحظور في كل دول العالم، إلا ان الحصار المفروض على القطاع يجبر الصياد الفلسطيني على استخدام مثل هذه الطرق حتى لا يعود بخفي حنين من عمله اليومي بعد انعدام الثروة السمكية داخل الـ 6 أميال.

ويؤكد عياش أن صيد بذرة الأسماك والمنتشرة في الأسواق خلال هذه الفترات، يعد صيدا جائرا وتعديا خطيرا على الثروة البحرية، كون هذه الأسماك الصغيرة يتغذى عليها السمك الكبير والغالي الثمن والذي لم يعد متوافراً هذه الفترة إلا بكميات قليلة جداً لا تسعف الصياد بأن يعتمد عليها كمصدر دخل لأسرته.

نقيب الصيادين: صيد بذرة الأسماك المنتشرة في الأسواق، يعتبر صيدا جائرا وتعديا خطيرا على الثروة البحرية.

ويوافق عياش سابقه الرأي، بأنه في حال تمكنت الوازرة من تنظيم عملية الصيد في بحر غزة، وقبول الصيادين للإجراءات المتبعة فإنه خلال عامين فقط ستتحسن الثروة السمكية وسيعود ذلك بالنفع الكبير على الصياد وعلى المواطن كونه يتخذ من الأسماك مصدراً أساسياً للتغذية.

إلا أن فكرة التنظيم حسب عياش تحتاج لتعويض ما لا يقل عن 3000 صياد بفرص عمل مؤقتة، كونهم يتخذون من البحر مصدر رزق يومي، كاشفاً أن معظم عمليات التنظيم والرقابة التي حدثت خلال الفترة السابقة أوقعت النقابة بين سندان الصيادين الذين يضغطون على إلغاء القرارات ومطرقة الوزارة التي تريد ما هو صواب للثروة السمكية، وانتهت الحالة بالتراجع عن إجراءاتها.

ويبين أن الصيادين بحاجة أيضاً إلى استبدال معدات صيدهم المخالفة بمعدات جديدة، إلا أن ذلك يعد غير ممكن لعدم مقدرتهم على شراء واستبدال المعدات بشكلٍ كامل نظراً للظروف الحرجة التي يمروا بها، وانقطاع المشاريع الممولة من الدول المانحة خلال هذه الفترات حيث أنه وخلال العام الماضي لم تتقدم أي جهة دولية لأي مشروع يذكر.

ويخلص التحقيق إلى أن الاستسلام للمشكلة الأساسية (الحصار البحري الإسرائيلي) لانعدام الثروة السمكية من بحر قطاع، يعتبر أمرا غير مبرر وغير مقبول، إذ أنه من غير المقبول معالجة مشكلة ندرة الأسماك داخل الـ 6 أميال بمشكلة (الصيد الجائر). وهنا يلقى دور كبير على وزارة الزراعة المسؤولة عن تنظيم عملية الصيد وتحديد الأدوات والأوقات المستخدمة.

كما يقع دور كبير على الحكومة، بأن توفر بديلا للصيادين الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية مثقلة خلال فترة التنظيم ومنع الصيد، واستبدال معداتهم المخالفة بالمعدات المسموحة، كما أن الصيادين مطلوب منهم الصبر والتروي حتى انتهاء الفترات المحددة، وعدم العودة لاستخدام المحظورات مرة أخرى.

البث المباشر