قائمة الموقع

ليست صورة فوتوغرافية.. اسمها "نكبة" وابنها "أحمد"!

2018-04-23T04:50:42+03:00
الرسالة نت - أمل حبيب

تسمّر أحمد أمام شاشة التلفاز قبل أربعة عشر عامًا، حيث آلمه مشهد الأطفال وهم حفاة الأقدام، يجرّون خيبتهم، بينما يظهر جوعهم جليًا على بطونهم المسطّحة، تأخذهم خطواتهم المتثاقلة الى أرضٍ غريبة، سرعان ما تتكور أمهم في زاوية خيمة نُصبت هناك، فينكمشون حولها، ثم تصرخ ويبكون حين تصل بندقية أبيهم دونه!

ذاك المشهد الدرامي للتغريبة الفلسطينية لم يغب عن ذاكرة الفنان أحمد أبو ندى يومًا، فرسمت ريشته لوحة نادرة إن رأيتها تخال أن أحمد قد هُجّر معهم للتو من بلدته بيت جرجا جنوب فلسطين!

خيمة العودة!

فراغات بيضاء كان مشغولًا في تعبئتها باللون الأسود، يُركز على الهالات السوداء أسفل العينين كذلك، على باطن القدمين، على كل شيء يحتاج سوادًا ووجعًا ليزيد عليه!

اسمها "نكبة".. اسمه "أحمد"، تفاصيلها "لوحة".. تفاصيله "فنان"، مضمونها "تهجير".. مضمونه "عودة".

كان مستبعدًا بالنسبة لأحمد 21 عامًا أن يجلس يومًا أمام الحدود على أرض تُعرف بمخيم العودة، خلفه فتية يغنون "الأرض لنا والقدس لنا"، وأمامه سياج زائل يفصله عن بلدته الأصلية، ليُتم لمساته الأخيرة على لوحته!

الفنان _طالب إدارة الأعمال_ لم يشهد النكبة ولا النكسة، بل شهد قلبه حب فلسطين، وسكن حق العودة إليها ذاكرته، ويقول عن لوحته:" استغرقت لإتمامها أربعة أشهر، واخترت لها اسم لوحة النكبة، مشهد الدراما السورية التغريبة بقي في خيالي".

"أسبوع وراجعين" سمعها أحمد من الأجداد مرارًا على أمل العودة، تلك العودة التي قد تبدأ نسماتها من مخيمات العودة على السياج الحدودي، ويُعلق بالقول: "بعد فصول النكبة المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني كبر تصور اللوحة في مخيلتي، إلى أن جاء الوقت لأرسمها في أغسطس الصيف الماضي، لما فيها من صورة تهجير وبؤس تعكس الواقع الممتد".

لوحات أخرى لأحمد، معظمها عن نبض الوطن، تمتزج فيها الألوان فتمثل الكل الفلسطيني، حيث رسم لوحات لأبرز القادة منهم من رحل شهيدًا، ومنهم من غُيبت ملامحه خلف الأسر.

لطبيعة وجمال الوجوه والعيون مكان خاص في حياة أحمد، يجد إلهامًا لها في زاوية غرفته على ترانيم عزفٍ قديمٍ يُحرك ريشته فتُولد لوحة بنبضٍ جديد!

كان شغفنا لنتعرف على المرة الأولى التي اشترى فيها علبة ألوان خشبية، عن دهشة اللوحة الأول، وتشجيع من حوله، يترك أحمد لوحة النكبة قليلًا ويبتسم وعيناه على الحدود الشرقية شمال القطاع، ثم يقول:" كان عمري ست سنين لما رسمت أول رسمة، كانت حصان نقلته من الكتاب المدرسي".

وقتها أدرك والده أن أحمد سيمسي شيئًا مهمًا، لديه لمسته الفنية التي كبرت معه، وكبر تشجيع الأهل له حتى بات يشارك في معارض محلية أولها كان في الجامعة الإسلامية بغزة.

عُدنا للوحة، للإنسان بداخلها الذي جُرد من أرضه، والانسان خارجها الذي يحلم بالعودة هناك، ليكون العود أحمدُ!

حلمٌ كبير جدًا يخبئه أحمد في قلبه، "بحلم بإقامة معرض فني للوحاتي في بلدتي بيت جرجا"، لم يكن هناك داعٍ لسؤال جديد، وقتها انتهى أحمد من لوحته "النكبة"، وبقي الحلم وحق العودة!

اخبار ذات صلة