ببصمات "إسرائيلية" واضحة يفارق عالم الطاقة الفلسطيني فادي البطش حياته شهيداً للعلم الذي أفنى حياته للحصول عليه، فقد اغتال الموساد الإسرائيلي البطش– 35 عاما-فجر السبت أثناء ذهابه إلى المسجد في العاصمة كوالالمبور بماليزيا، على يد شخصين بمسدسين كاتمين للصوت.
قبل تنفيذ الاغتيال شوهد الشخصان المتهمان في مسرح الجريمة قبل 20 دقيقة من العملية، فقد تجولا على متن دراجة نارية في منطقة سكن الشهيد، وعمد القاتلان لتفحص وجوه المارة في المنطقة بشكل ملفت، للتعرف على وجه الضحية بفعل الظلام الدامس، وانصب التركيز على المتوجهين لأداء صلاة الفجر في المصلى الذي يؤمه الشهيد البطش.
يقول أحد شهود العيان: "قبيل دخولنا الصلاة سمعنا صوت إطلاق نار خفيف، كأنه كاتم للصوت، لكننا لم نعر الأمر اهتماما، ودخلنا لأداء الصلاة، وفور انتهائنا حضر أحد المصلين متأخرا، وأخبرنا أن فادي غارقا بدمائه بعد إطلاق الرصاص عليه، وقد فارق الحياة، مع أن الشهيد كان يصلي إماما في المصلى فجر يومي السبت والأحد فقط".
ولم يكتفِ الاحتلال "الإسرائيلي" بتصفية البطش وانما منعت نقل جثمانه إلى قطاع غزة ليودعه ذووه ويدفن فيها.
وبحسب ما روته والدته عبر وسائل الاعلام، فإن ابنها المهندس الكهربائي كان ينوي في ذات اليوم التوجه إلى تركيا ليترأس أحد المؤتمرات العلمية للطاقة، التي يعد أحد أبرز النوابغ العربية فيها خاصة علم الهندسة الكهربائية، وأول عربي يحصل على المنحة الماليزية للدكتوراه في تخصصه الكهربائي الدقيق.
حصل الشهيد على درجتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من الجامعة الإسلامية بغزة أواخر عام 2009، كما حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية، من جامعة ملايا بماليزيا عام 2015، وكان بحثه بعنوان: "رفع كفاءة شبكات نقل الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا إلكترونيات القوى".
وكان البطش يعمل أستاذًا جامعيًّا في الهندسة الكهربائية، تخصص إلكترونيات القوى، في جامعة كوالالمبور، وهو من سكان مدينة جباليا، ومتزوج وعنده 3 أطفال.
واتهمت عائلة البطش، في بيان لها، جهاز الموساد "الإسرائيلي"، بالوقوف خلف العملية.
وقال قائد شرطة المدينة داتوك سيري مازلان لازم -حسب ما أوردته صحيفة ستار الماليزية-: إن الشهيد كان في طريقه إلى مسجد مجاور، عندما أطلق عليه النار من مهاجمين على دراجة نارية في حوالي الساعة السادسة صباحاً في جالان غومباك.
وأشار قائد الشرطة إلى أن المهاجمين كانا يستقلان دراجة نارية، واستهدفاه بحوالي 10 طلقات نارية، أصابته 4 منها، حيث استشهد على الفور، مشيراً إلى أن التحقيقات ما تزال مستمرة في القضية.
وقالت العائلة:" نتهم جهاز الموساد بالوقوف خلف حادثة اغتيال الدكتور فادي، الباحث في علوم الطاقة"، مطالبة السلطات الماليزية بإجراء تحقيق عاجل لكشف المتورطين بالاغتيال قبل تمكنهم من الفرار.
وبعد انتشار خبر اغتيال البطش، قال الكاتب السياسي مصطفى الصواف:" لا نعتقد ان هذه الجريمة خرجت من ايدي الموساد الصهيوني"، متسائلا: الا تحتاج هذه الجريمة الى تغيير قواعد اللعبة من خلال استهداف علماء وقادة الاحتلال في العالم وليكن ما يكن.
ودعا إلى التعامل مع الاحتلال بالمثل، موضحا قوله: "لابد أن يكون كل اغتيال يقابله اغتيال بنفس الدرجة وبالأساليب المتاحة ووفق سياسة العين بالعين والسن بالسن وليتحمل العالم المسئولية طالما ان الاحتلال لا يحترم سيادة الدول ويمارس إجرامه كما يقول المثل على عينك يا تاجر".
وأكد الصواف أنه على المقاومة تغير المعادلة ولو لمرة واحدة وتنظر ردة الفعل، معتقدا أنه لن يكون هناك من المحاذير ما يخيف.
وعلى غرار ذلك، توجهت عائلة الجندي هدار غولدين، برسالة رسمية إلى منسق الأسرى والمفقودين في مكتب رئيس الحكومة، يارون بلوم، ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوآف مردخاي، وإلى السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الضابط إليعيزر طولدانو، مطالبة من خلالها، الحكومة الإسرائيلية، بعدم السماح بإعادة جثمان البطش، ودفنها في غزة.
وهنا يرى المحلل الصواف أن مصر تحت الاختبار، فهل ستسمح بإدخال جثمان الشهيد البطش عبر مطار القاهرة مرورا بسيناء وانتهاء بغزة، أم أن القرار اسرائيلي؟
بدوره، قال المحلل العسكري رونين بيرغمان من صحيفة يديعوت احرنوت "ان البطش ينتمي إلى وحدة سرية خاصة في حماس تعمل على تطوير أسلحة مهمة"، مضيفا: إذا ما كانت إسرائيل هي التي تقف وراء عملية الاغتيال فإن ذلك يأتي ضمن معركة خاصة يقودها الموساد في السنوات الأخيرة لاستهداف وحدات البحث والتطوير في حماس والتي تعمل خارج الأراضي الفلسطينية بعيدا عن أعين جهاز (الشاباك)".
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري عاموس هرئيل من صحيفة هآرتس، أن عملية الاغتيال مماثلة لتلك التي استهدفت المهندس التونسي محمد الزواري، مشيرا إلى أن الهدف من العمليتين تمثل في منع حماس من تطوير قدراتها الجوية.
وتجدر الاشارة إلى أن الشهيد حصل على العديد من الجوائز العلمية الرفيعة، ومنها جائزة منحة "خزانة" الماليزية عام 2016، والتي تعد الأرفع من ناحية الجودة، وذلك بعد حصوله على درجة الدكتوراة في الهندسة الكهربائية "إلكترونيات القوى" من جامعة "مالايا" الماليزية، وتحقيقه جملة من الإنجازات العلمية التي أهّلته للفوز، كأولَ عربيّ يتوج بها.
وخلال رحلته الدراسية نشر الشهيد 18 بحثا محكما في مجلات عالمية ومؤتمرات دولية، وشارك في مؤتمر دولي في اليابان، وشارك بأبحاث علمية محكمة في مؤتمرات دولية عقدت في بريطانيا، فنلندا، أسبانيا، السعودية، علاوة على المشاركة في مؤتمرات محلية في ماليزيا.