كما العادة تواظب الغزيات على مقاومتها للاحتلال كما الرجال، فمسيرة العودة كانت بالنسبة لهن فرصة جديدة للتحدي لكن هذه المرة على طريقتهن الخاصة، فسلكن طريق الثوار السلميين على الحدود الشرقية لقطاع غزة، حتى الوصول إلى قراهم وبلداتهم المهجرة.
في نقطة التجمع الحدودية شرق قطاع غزة "ملكة" جلست الحاجة الستينية "أم منصور" المهجرة من المجدل تراقب الشباب الثائرين وهم يحلقون بطائراتهم الورقية المنقوشة بأسماء قراهم التي هُجر منها أجدادهم، بينما هي راحت تقلب في قدر كبير جهزته مع زوجات أبنائها لإعداد أطباق السماقية وتناولها هناك وتوزيعها على المتواجدين.
تحكي وهي تقلب في القدر، أنها تصر على الحضور برفقة عائلتها لتشجيع الشباب حتى قررت أن تعد السماقية وتوزعها عليهم، تحفزهم على المجيء كون ذلك واجبًا وطنيًا، ولا تأبه لرصاص الاحتلال الذي يطلقه من حين لآخر لإخافتهم، معلقة "ما خفنا بالحروب، هالمرة قلوبنا أقوى لأنه حلم العودة اقترب".
إلى الجانب منها وقت وصول "الرسالة" إلى دوار ملكة كانت مجموعة من الفتيات بعضهن يزيِّن الكوشوك وأخريات رحن يمررنها إلى الشباب لإشعالها على الحدود لتحجب رؤية الشباب عن القناص الإسرائيلي، فكانت السعادة والحماس مرسومة على وجوههن.
تحكي أمل سلمان –24 عامًا- أنها تأتي مع والدتها في معظم أيام الأسبوع بعد الظهيرة ويتناولن طعام الغداء، حتى أن والدتها في إحدى المرات أعدت الأكلة الشعبية "الكشك" ووزعتها على العائلات التي حضرت حتى المساء، بينما كانت جدتها المهجرة من قرية "المسمية" تغني الأهازيج الحماسية للشباب وتدعو لهم.
لم يكن دور النساء في مسيرات العودة مقتصرًا على إعداد الطعام ومد الشباب فيه، أو الذهاب للترفيه والحلم بتخطي السياج الحدودي حتى تطأ أقدامهن كبقية المتظاهرين السلميين الأراضي المحتلة، بل عملن على إسعاف كثير من الجرحى وإنعاش من استنشق الغاز المسيل للدموع بأبسط الإمكانيات المتوفرة كالبصل.
وتواجه المسعفات المخاطر ليساهمن في مساعدة وإنقاذ الجرحى والمصابين، وابتكار عديد من الأدوات لمساعدة المتظاهرين في مواجهة غاز المسيل للدموع أو الاصابات.
وفي مشهد آخر، لا يزال عالقًا في الأذهان، حيث فتاة أسرعت للصفوف الأولى لتقدم الماء لمجموعة من الشبان الذين أصيبوا بالاختناق من غاز الاحتلال، ليستهدفها الاحتلال، ويشكل الشبان بأجسادهم العارية حماية لها في مشهد بطولي مزدوج لا ينسى.
الصورة أثارت إعجاب الكثيرين من ناشطي موقع “تويتر” الذين أثنوا على شجاعة هؤلاء الفتية، مؤكدين على أن الأمة لو امتلكت شجاعتهم لتحررت فلسطين، في حين أكد البعض بأن الصورة تمثل درسًا مجانياً يقدمه هؤلاء الفتية في كيفية الحفاظ على الأرض والعرض.
إحدى الملثمات في خيام العودة بخانيونس وتدعى "فلسطين" _هكذا أسمت نفسها_ حضرت وهي ملثمة في الكوفية الجمعة الماضية، واعتادت المجيء مع صديقاتها لكن بعد وقت ليس طويلاً أصبحت تأتي برفقة ذويها.
عندما وجه لها السؤال لماذا تحضرين إلى الحدود، أجابت باستغراب وبنبرة حادة " لو كل واحد فكر ليش بيجي كان ما ضل حد في بيته"، متابعة: وجود السيدات في الميدان يحمس الشباب ويرفع معنوياتهم في التصدي للاحتلال الإسرائيلي (..) ولا بد أن نكون حاضرين لتقديم المساعدة من خلال إعداد الطعام وجلب الماء للشباب وتضميد جراحهم في حال تأخر الإسعافات".
وفي الخيام المنصوبة شرق مدينة خانيونس، استغلت الحاجة السبعينية أم فارس التي هجرت من قرية برير تجمع الفتيات هناك، وعملت على تعليمهن فن التطريز فتشجعن ورحن يغزلن برفقتهم القطع.
تقول الحاجة أم فارس:" شوفت الشباب وهما بدافعوا عن أرضهم بأبسط الأدوات بترد الروح"، (..) استغليت وجود بعض الفتيات مع أهاليهن وأحضرت في البداية بعض القطع للتطريز وبعدها أصبحن يأتين إلى خيمة عائلتي المعروفة "برير" ليتعلمن أكثر.
ومضت بالقول ضاحكة وهي تطرز برفقة فتاتين خارطة فلسطين " صارن ييجين لحالهن يسألوا عني لأعلمهن".
الدبكة والتطريز وإعداد المأكولات الشعبية والأهازيج الشعبية جميعها كانت تقودها النساء، إلى جانب وجودهن في الصفوف الأولى لمواجهة الاحتلال سلميًا، وليثبتن أن المرأة الفلسطينية منذ سبعين عامًا وهي تقاوم الاحتلال كالرجل وبأبسط الإمكانيات.