قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: طفلة الشهيد " الأستاذ"... استبدلت زينة شعرها بعصبة أبيها

صورة
صورة

غزة- ياسمين عنبر

سبع سنوات لا يزال سنًا مبكرًا لطفلة البلاد المنتهكة أفراحها، كي تحمل هم وطن على هيئة عصبة تحيط رأسها، بعد أن كانت تزين رأس والدها الشهيد!

الآن ستغضب صاحبة السبع سنوات على أي صديقة ستناديها باسمها "آمال"، من اليوم فصاعدًا سينادونها "بنت الشهيد" كما طلبت منهن.

صباحاً ستستيقظ وتلملم شبرات زينة شعرها وتدفنها في صندوق الطفولة، هي العصبة فقط ما ستزين شعرها وطفولتها الغضة!

على باب بيت الشهيد في دير البلح وسط قطاع غزة، تحلقت الفتيات طفلة الشهيد "آمال" تروي لهن عن فخرها بأنها غدت "بت الشهيد"، كما تبوح لهن عن اشتياقها لأبيها الذي غاب قبل ثلاثة أيام، متسائلة: "كيف بعد ما تمر سنين؟!".

لم تعد تكترث "آمال" بتسريحة شعرها إن كانت "ديل فرس" أو "جدولة"، كما لم تطلب بعد اليوم من أمها أن تجلب لها زينة لشعرها، حيث ربطت "آمال" عصبة على رأسها، في محاولة للبحث عن شيء يربط على قلب أمها فيخفف وجع الرحيل في عيونها!

أدركت الأم ذلك حين عادت طفلتها من المدرسة في اليوم الثاني من استشهاد أبيها، لتخبرها أنها أخبرت صديقاتها أنها تفخر أن أباها هو الشهيد "محمود الأستاذ"، وطلبت منهن أن ينادوها "بنت الشهيد"!

دهشة "الرسالة" بزوجة الشهيد "محمود الأستاذ" كانت أيضًا في عيون النسوة اللاتي تحلقنها في بيت العزاء، وهو أحد الأقمار الستة التي ودعتهم غزة يوم السبت الماضي.

لم تنزوِ داخل ثياب الحداد، كانت تبدو صلبة جدًا، يواسينها النسوة فترد على الحديث كله بابتسامة أثارت استغراب الجميع، "لو بدي أحكي عن محمود ما بوقف أبدًا" استهلت الزوجة حديثها.

فضفائر الصباح كانت تنسدل على قلبها حين يتقاسمان فنجان القهوة.. يخططان لمستقبل أبنائهما.. وقتَ أن يطيل سجوده لأن أحد أطفاله قد تعلق فيه، "رغم مكانته كان حنون كتير مع اولاده" تحكي.

"آلاء" أخت الشهيد التي تصادف يوم عزائه بيوم ميلادها، فغابت طقوس الفرح التي اعتادت عليها لأن صانعها "محمود" قد رحل للأبد.

"حاسة بأي وقت ممكن يدخل عبيتنا يضحك لنا، يسألنا شو محتاجين، يطبطب علينا لما نكون بضيق (..)، صوته كإنه حواليا وصورته ما بتفارقني" تبوح "آلاء".

حيث ترى أنه كان "قطعة من الجنة" تمشي على الأرض، بحنانه وإنسانيته ثم عادت إلى السماء، "محمود فخر إلي لآخر يوم بعمري"، بينما ترى أخته الصغرى أن محمود "لا يعوض أبدًا".

"كنت مخزن أسراره" تحكي زوجته، ثم ما تلبث تتذكر وتروي باستغراب عن الحاجة كبيرة السن، التي اقتربت منها في يوم عزائه الأول لتهمس لها باكية: "كان يعطيني كل شي محتاجاه، كان دايما يجيب لي أكل"، وتضيف زوجته: "رغم أنه لم يكن يخبئ عني شيئا".

مناجاة طفلة الشهيد "آمال" لأمها لفتت انتباه الجميع، لأنها جاءت تضحك فرحة مسرعة، بعد أن كانت لتوها قد عادت من المقبرة لزيارة أبيها، فهمست لأمها: "حطيت على قبر بابا وردة جورية".

حروف الضاد لم تسعفنا لنصف كيف يخبو بريق عيني أم الشهيد "الأستاذ" التي جلست قبالة صورته صامتة، وحدها دموعها من كانت الحاضرة!

- محمود شو رأيك نبني بيت باطون؟

- احنا بدنا نبني بيوت في الجنة!

كان حوار الشهيد "محمود" وزوجته الدائم، كان يسعدها ويعظمها في نظره، بينما يؤلم والده الذي وصفه بـ"رجل الإيثار الأول"، يقول: "أعطى أخوه يبني بيت وهو بيته الواح زينقو".

"هو النوارة"، "رجل الإيثار الأول"، "عمود البيت" يصف والده، ثم حين يخونه التعبير اختصر القول: "شو بدي أحكي! كان أحن عليا من إمي".

كان "محمود" يدرك أنه من العقوق أن تسبق خطواته خطوات والديه، وأن تسبق لقمته لقمتهم على مائدة الطعام، فلم يتقدم على والده خطوة في حياته رغم أنه كان يطلب منه ذلك، لأن مشيه بطيء لكبر سنه، فيرفض رفضًا قاطعًا.

بين الأقمار الستة الذين ودعتهم غزة، جراء انفجار جسم مفخخ مفخخ وسط غزة، كان قد وضعه الاحتلال أثناء محاولتهم تفكيك لغز استخباري في إطار المعركة المستمرة مع الاحتلال.. وحده "محمود" من لم يصور وصية له، فكل من عرفه يدرك وصيته جيدًا، "الزمن كفيل ان يظهر كل وصايا محمود على أرض الواقع" تحكي زوجته.

اليومَ لن تتمنى "منى" زوجة الشهيد أن يسكن أحشاءها "صبي" لنظرة اجتماعية، إلا أنها تود أن "يولد محمود من جديد"!

لن ترهق زوجة الشهيد "محمود" نفسها بعد اليوم حين يطلب منها تعريف الإنسانية.. أخبرتنا أنها ستجيب "محمود" وتصمت!

البث المباشر