تشهد أسواق قطاع غزة ركودا كبيرا غير مسبوق، في وقت يعاني فيه الغزيون من اشتداد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها السلطة منذ أكثر من عام، بالتزامن مع حصار يمتد منذ 11 عاما.
ونتيجة لحالة الركود وانعدام السيولة النقدية لدى المواطنين، فضّل أغلبية التجار التوقف عن استيراد الحاجيات وبيعها خلال شهر رمضان المبارك، في وقت يعتبر فيه الشهر الفضيل موسم البيع الوفير والربح للتجار.
وانخفضت القدرة الشرائية بغزة لأكثر من 80%، وفق احصائيات رسمية، في وقت صرفت السلطة في رام الله 50% فقط من الرواتب المستحقة عن شهر أبريل الماضي لموظفيها في غزة، فيما لم يتقاضوا رواتب مارس، الأمر الذي أصاب القطاعات كافة بالشلل.
موسم كارثي
تاجر البقوليات حمدي عودة فضّل الجلوس في منزله هذا الموسم، عن استيراد البقوليات وبيعها في شهر رمضان، مؤكدا أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وعجز المواطنين عن شراء حاجياتهم يجعل من تصريف البضائع أمر في غاية الصعوبة.
وقال عودة إن الكثير من التجار أعلنوا افلاسهم بسبب عدم مقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم وجمع ديونهم من المواطنين المتعسرين عن السداد.
ووصف الوضع الاقتصادي بـ "الكارثي"، مشيرا إلى أن جميع التجار كانوا يترقبون حلول شهر رمضان للربح الوفير، في وقت بات الموسم الحالي كباقي الأيام دون حركة شرائية.
ويأمل أن تصرف السلطة رواتب موظفيها خلال الأيام الجارية، لإنقاذ الموسم وإيجاد حركة نشطة في الأسواق تسعف التجار في تعويض خسائرهم التي تكبدوها الأشهر الماضية.
وأضاف عودة: "كنا سابقا نتحدث عن ركود في الحركة، أما اليوم فنحن أمام حالة انعدام السيولة واقتراب القدرة الشرائية من الصفر".
في حين لن يستطيع الموظف خالد الجمل من شراء حاجيات رمضان لعائلته المكونة من ثمانية أفراد، بسبب عدم تلقيه راتبه.
ولفت الجمل إلى أنه لم يتلقَ راتبه على مدار شهرين، في وقت عانى فيه سابقا من تقليص نسبة الراتب والتزاماته تجاه البنك.
وقال: "لم يحدث معي سابقا، أن جاء رمضان دون شراء حاجياته، ولكن عدم صرف الرواتب أوصلنا لأوضاع كارثية، فهناك التزامات لا أستطيع الوفاء بها".
وتجدر الإشارة إلى أن ما يزيد عن مليون شخص في قطاع غزة ما يشكلون أغلبية السكان دون دخل يومي.
يذكر أن الاحتلال أعلن عن اغلاق معبر كرم أو سالم حتى اشعار آخر نتيجة للأضرار الكبيرة التي لحقت به عقب جمعة النذير وهو المعبر الوحيد الذي يتم إدخال البضائع منه للقطاع ما يضع القطاع أمام أزمة حقيقية قد تطال معظم السلع الواردة اليه.
المختص في الشأن الاقتصادي أمين أبو عيشة أكد أن موسم رمضان الحالي هو الأسوأ على الإطلاق، مؤكدا أنه لم يمر موسم ضعيف شرائيا كالجاري.
وقال في مقابلة مع "الرسالة" إن الحديث بات الآن عن انعدام مستوى السيولة النقدية، في وقت كنا نتحدث فيه سابقا عن انخفاض معدلات السيولة.
وأوضح أن الوصول لمعدلات انعدام النقدية يعني توقف الحركة الشرائية بالكامل بفعل افتقار المواطنين للنقود.
وأشار إلى أن فاتورة رواتب السلطة تقدر بـ 66 مليون دولار شهريا، وهذا ما يفتقده القطاع منذ شهرين، مبينا أن القطاع الحكومي هو المحرك للاقتصاد المحلي في غزة في ظل توقف القطاع الخاص بفعل الحصار والحروب.
ويرى أن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، ينذر بكارثة اقتصادية ومجتمعية، مشيرا إلى أن الاقتصاد في غزة لن يصمد أكثر من ثلاثة شهور في حال لم يجد من يسعفه.
وأضاف: "قرار السلطة بوقف الرواتب، جعل الحركة في الأسواق الغزية شبه معدومة، ما يعني أن رمضان المقبل الأقل فعليا من الأعوام السابقة من حيث حجم الاستهلاك".
وحذر من الأوضاع الحالية، مؤكدا أن جميع المؤشرات سابقة الذكر تضع رؤوس التجار تحت المقصلة وتجبرهم على تقليص الاستيراد، وعمل حملات شرائية للمواطنين بأسعار أقل من التكلفة للتخلص من المخزون والتغلب على أزمة السيولة النقدية.
ويحل رمضان ضيفا على المسلمين يوم الخميس المقبل، والذي يوافق السابع عشر من الشهر الجاري.
وفي حديث سابق لـ "الرسالة"، أكد علي الحايك رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين بغزة أن وقف صرف رواتب موظفي السلطة بغزة بشكل كامل، يفقد أسواق قطاع غزة سيولة نقدية بقيمة 500 مليون دولار سنويا.
وقال الحايك إن اليأس أصبح يسيطر على سكان غزة، بفعل اشتداد الأزمات المعيشية، وفقدان السيولة النقدية، مبينا أن قيمة ما كانت تدفعه السلطة شهريا لموظفي غزة نحو 41 مليون دولار شهريا.