قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: ليلى الغندور.. "إيمان حجو" تعود من الذاكرة

صورة ارشفية
صورة ارشفية

غزة- رشا فرحات   

حينما تشاهد صورة ليلى الغندور للوهلة الأولى، تعود بك الذكريات إلى الخلف كثيرا، إلى عام 2001 حينما ارتقت إيمان حجو وهي نائمة على سريرها، وكأن إيمان حجو عادت فجأة من كتب التاريخ التي لطخها جنود المحتل بدماء أطفال فلسطين.

في جوف الليل عادت إيمان حجو، في ليلة الخامس عشر من مايو، إيمان الآن على هيئة صبية يافعة تمد يدها إلى رفيقتها ليلى الغندور، التي تستقبل بوجهها الطري قنبلة غاز مباشرة، فتختنق، وتصارع الموت، فلا تستجيب الحياة، وترتقي الروح، ثم تغادر برفقة إيمان حجو إلى سابع السماوات، وتطيران بعيدا كالعصافير.

هذا ما يمكن أن يفرضه خيالك حينما تشاهد ليلى الغندور ذات الثمانية أشهر، الشهيدة الأصغر في مواجهات يوم الاثنين، والتي لم يستطع جسدها الصغير تحمل قنابل الغاز التي سقطت على المواطنين كالمطر!

ليلى ذات الوجه الملائكي المدور والعينين الخضراوين حملتها جدتها صباحا للمشاركة في مسيرات العودة السلمية، وفي كل مكان في العالم، حق لك أن تشارك لتعبر عن رأيك، سلميا أعزل، لا تملك من السلام سوى تاريخ أجدادك، وقوة الحق التي يخشاها الاحتلال، فيتعمد قذف الأطفال بحمم الموت، وهذا ما حدث يومها.

وبينما تذرف جدتها الدمعة يعتصر قلبها بذكريات صورة الاثنين الماضي، وهي تلقي نظرة الوداع الأخيرة على حفيدتها التي تحمل اسمها، غير مصدقة أن إجرام الاحتلال يمكن أن يطول المواطنين المسالمين من الأطفال والنساء، ممن تعودوا أن يداوموا في كل أسبوع للمشاركة في مسيرات العودة، منذ انطلاقتها، ولكن يوم الاثنين جن جنون لصوص الوطن فقذفوا حمم الغاز فوق رؤوس الأطفال، ولم تحتمل أنفاس ليلى مزيدا من الغاز فاختنقت!

وهذا ما أكدته والدتها التي عبرت عن المشهد غير مصدقة سرعة الموت التي خطفت ابنتها، حيث قالت: "ركضت حينما سمعت أن ابنتي هناك، وما أن وصلت إلى الحدود حتى رأيتها بين يدي المسعفين، يحاولون استرجاع أنفاسها المخطوفة، ولكنها مجرد دقائق فقط حتى قالوا لي أن ليلى توفيت".

وتنتقل حسرة المشهد إلى والدها، الذي يجلس ساندا ظهره إلى الجدار، بينما يسند خده على باطن كفه، معلنا عن حداد مؤلم، يخبئ دمعة ولوعة وهو يردد "أخذوك يا بابا مني" " كانت كالزهرة، فواحة رحلت قبل أن أشبع منها".

يحملها والدها سائرا بين جموع الناس، بينما تزاحم جدتها وعمتها ووالدتها لتقبيل الخد الغض، قبلة أخيرة، لعلها تكون قبلة اعتذار على وجه القمر، اعتذارا عن فلسطينيتنا، وعن مطالبتنا بحقوقنا، وعن كلمة حق في زمن الجور، هذا ما أراد الاحتلال إيصاله من رسالة قتله لليلى، وقبلها لإيمان حجو، ولكن التاريخ يعيد نفسه، تقلع زهرة أخرى من أزهار فلسطين، ثم تتلوها زهرة، ثم تنبت ألف زهرة.

ولم تكن ليلى الوحيدة من عائلة الغندور، فعمها قد سبقها بإصابة في القدم، في الأيام السابقة بعد استهدافه من قبل الاحتلال بالرصاص الحي.

وقد أكد الدكتور أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة بغزة إن هناك استهدافا إسرائيليا مركزا للأطفال المشاركين في مسيرة العودة الكبرى السلمية حيث وصل عدد الشهداء الأطفال منذ انطلاقها إلى تسعة وعشرين طفلا، داعيًا المؤسسات الأممية للتدخل لحماية الأطفال والشعب الفلسطيني.

وتنتهي قصة ليلى، حينما تجمع الفلسطينيون يوم الثلاثاء أمام منزلها، تضامنا وحبا، ووجعا على وجه بريء كالقمر، وهو يصعد مبتلا بدماء بريئة إلى السماء، ليست وحيدة إنما، تحمل لوعة قلب والدها، ودموع أمها، وستين شهيدا آخرين كانوا رفاقا في ذلك اليوم، إلى الجنة.

البث المباشر