مكتوب: المسعف موسى أصيب في الميدان واستشهد في حضن أمه

الشهيد موسى ابو حسنين
الشهيد موسى ابو حسنين

الرسالة - محمود هنية

على بعد مئات من الامتار عن السلك الحدودي شرق غزة، التقط الشهيد المسعف موسى ابو حسنين صورة سيلفي مع والدته أم محمد، فسألها ضاحكًا: "كيف يا أمي الصورة؟، لتجيبه "عريس يما عريس".

لم تدرك الحاجة ام محمد أنها ستزف نجلها المسعف عريسًا بعد لحظات قليلة، ولم تتخيل أن هذا الشاب سيلفظ أنفاسه الأخيرة على حضنها، ولم يدر في خلدها أن تطوف يومًا للبحث عن اسعاف لنجلها كي يبقى حيًا".

منذ اليوم الأول لمسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في الثلاثين من مارس الماضي، كانت الحاجة ام محمد بجوار ابنها المسعف على المنطقة الشرقية لمدينة غزة، تدثره بدعواتها، تحفزه، وكلما وجدت مصابا نادت عليه؛ ليقوم بدوره بإنقاذ المصابين ضمن صفوف جهاز الدفاع المدني الذي يعمل فيه.

تقول ام محمد ونبرات صوتها متحشرجة من الدموع، إنّ موسى ظلها الذي يرافقها دائمًا، منذ صغره في محن الصراع مع الاحتلال، فكان يرافقها في زيارته لابنها البكر محمد أثناء اعتقاله لدى قوات الاحتلال، وكان رفيقها في زيارتها لابنها الثاني مهدي اثناء اعتقاله لدى الاجهزة الامنية للسلطة في مرحلة تسعينيات القرن الماضي.

تربى الشهيد على مشاهد الفقد والأسر لإخوانه، ثم عاش في كنف الشيخ الشهيد أحمد ياسين بعدما صاهرته عائلة الشهيد، وحفظ عن ظهر قلب الطريق لسجني نفحة والسرايا، كما تقول والدته.

واعتاد حينها الطفل موسى على حمل الطعام لأخيه الكبير اثناء اعتقاله لدى سجون الاحتلال، ويحمل معه زاد آخر للأسرى، فكانت هوايته المفضلة منذ الصغر مساعدة الآخرين، ليختم حياته أثناء اسعافه لأحد المصابين.

لحظة ترويها والدة الشهيد لـ"الرسالة" وهي تذرف الدموع، "كنا في المنطقة الشرقية لمقبرة جباليا، حيث ارتكب الاحتلال مجزرة متعمدة بحق عشرة شبان، ذهب موسى مهرولا لإنقاذهم، واثناء اسعافه لأحد الشبان، اطلق الاحتلال النار على صدره وخرج من ظهره".

وشاهدت أم محمد لحظة اصابة نجلها بعينها، "فبدأت أصرخ وأصبحت أتنقل من مكان لآخر من أجل البحث عن اسعاف، وضعته على حضني وبدأت ابكي واصرخ، وكان يقول لي ما تخافي انا بخير".

كانت لحظات صادمة وهي ترى بعينها نجلها يلتقط انفاسه الاخيرة، بعدما فشلت كل محاولاتها للبحث عن سيارة اسعاف لإنقاذه، حيث كان الاحتلال يطلق النيران بشكل كثيف صوب الشبان والمسعفين، "احتضنته وقبلته وقلت له ستعيش يا موسى، فرد على ديري بالك ع اطفالي".

وبعد وصول الاسعاف نقل موسى ووالدته إلى مستشفى الشفاء، "في الطريق استشهد، في الطريق رحل وأخذ قلبي معه، صرخت وبكيت وقلت له الله يسهل عليك يما وسلم ع كل الشهداء".

أربعة أطفال، ابنتان وولدان تركهم موسى خلفهم، إضافة لزوجة تعتصر الدموع والألم، لكنها توقعت استشهاده في أي لحظة، كما كان يصبرها ويطلب منها دائما الاستعداد ليوم قد تفقده فيه بفعل خطورة عمله.

لم يكن موسى هو الشهيد الوحيد التي فقدته أم محمد، فهي من احتضنت الشيخ احمد ياسين في اخر لحظات حياته عندما اشتدت عليه فترة المطاردة والملاحقة، "لم اتخيل ان ابكي لكنه ولدي قطعة من قلبي رحلت ويعتصرني الألم على اطفاله وزوجته".

وعاش الشهيد في بيئة اقتصادية صعبة ومعقدة، لكنه عرف عنه الجود والعطاء "الي بايده مش اله"، كما تقول امه.

والتحق موسى في جهاز الدفاع المدني منذ أكثر من خمسة عشر عاما وبقي على رأس عمله حتى لحظة استشهاده.

البث المباشر