مكتوب: "شهادة مدرسية" وضعت على قبر "سعيد" أبكت أمَّه!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

غزة- ياسمين عنبر   

كان من المفترض أن يتجهز "سعيد" للذهاب إلى المدرسة لاستلام شهادته للصف العاشر، وتحديد اتجاهاته في الفرعين العلمي والأدبي، وبدء التخطيط لمستقبله.

كما لم يكن من أبيه إلا أن ينتظره على باب البيت كما كل عام ليأتي سعيد نحوه ضاحكًا يخبره بنتيجته ويقيم معه صفقات عن "هدية النجاح".

اليوم.. ذهب أبوه وحده إلى المدرسة، أحاط به زملاء "سعيد"، تحدث كل واحد منهم عن مواقفه وأخلاقه وضحكاته، سكنت الحسرة قلب أبيه وهو يرى فرحة زملاء "سعيد" بشهاداتهم، فينسحب باكيًا يجر قهره!

هنا في غزة.. تتبادل الأدوار أحيانًا، فوالد "سعيد" هو من سيستلم الشهادة، ويهرول بها إليه هناك حيث ينام في قبره، لن يكون هناك فرحة نجاح.. بل قهر كبير ولا شيء آخر، ولن تكون الهدية دراجة أو "فطبول"، بل ستكون وردة بجانب شهادته!

 "سعيد قمر لا يغيب"، عبارة خطت على جدران مدخل بيت الشهيد "سعيد أبو الخير" غرب غزة، والذي كان يلعب فيه برفقة أبناء جيرانه، علق بجانبها صور كثيرة له، بهيئات مختلفة وضحكة واحدة.

"بدي أحط شهادته على قبره وأبارك له بالنجاح"، يحكي والده لـ "الرسالة" وما انفك ينظر إلى صوره المعلقة على جدران البيت ويردد "الله يسامحك يا سعيد حرقت لي قلبي يابا".

حديث الأب هذا أوجع أم "سعيد" فانفجرت باكية، وهي تقلب صوره بين يديها وتحكي: "كان ضحكة قلبي".

سماعتان في أذني أم الشهيد شاهدتان أيضًا على وحشية الاحتلال الإسرائيلي، تروي قصتهما بحرقة كبيرة: "في 2011 قصفوا موقع عنا وكان الصوت عاليًا ففقدت حاسة السمع".

أخوه الذي كان يجلس قبالتنا، كان صامتًا طوال الوقت، وهو الذي ذاق الأمرين أيضًا جراء إصابته في قدميه بعد قصف قريب من منزلهم قبل سنوات.

"أنا بطلت أسمع وتعذبت وابني عبد جريح ورجله فيها بلاتين وهي ابني الكبير راح وبيتنا انقصف 4 مرات .. شو ضل لي بهالدنيا"، تتحسر الأم على حالها، وراحت تحكي عن ضحك قلبها الذي افتقدته مع غياب "سعيد".

كان "سعيد" رفيق جده، وبمعنى أدق "عكازه"، كان رفيق البحر والمسجد والضحك على باب البيت في المخيم، تحكي جدته التي بكت طوال حديثها عنه: "يوم مليونية العودة صار يترجى سيده يكون رفيقه في المسيرة عالحدود".

على الحدود الشمالية لقطاع غزة، يوم الاثنين الماضي، رافق الجد "سعيد"، بعد أن أمَّن له كرسيًا يجلس عليه، كان قد أتى به من المسجد القريب منهم، "من شدة إصراره عالمشاركة دبَّر كرسي لسيده حتى يوافق" تقول جدته.

ساعات قليلة مرت على مغادرة "سعيد" وجده البيت، حتى تلقوا اتصالًا من جدهم يصرخ: "أنا تصاوبت وسعيد استشهد.. سعيد استشهد".

رصاصة غادرة من جندي كانت كفيلة بأن تقتل الحلم في قلب "سعيد" الذي استشهد على إثرها، كما كانت كافية لأن تسكن الحسرة في نفس جده خلال السنوات المتبقية له في الحياة!

أينما تولِّ وجهك في بيت الشهيد "سعيد" ترى صوره قد ملأت الجدران، لكن ثمة صورة أبكت أمه أحضرتها لنا قائلة: "بس 15 سنة عمره.. شوفوا لسا طفل والضحكة ما بتفارق وجهه زي ما هو بالصورة".

بكاء أم "سعيد" أوجع قلب أبيه فاعتذر وانسحب من المجلس بعد أن باح لنا: "أنا ما شبعتش من سعيد.. كإنه إجى رحلة عنا ورجع تاني.. بس رحلة"، خاتمًا حديثه: "رمضان ماله طعم من دون سعيد".

طقوس الإجازة الصيفية باتت باهتة في نظر الثلاثينية "أم الشهيد"، فكيف لا تبدو هكذا، ورصاصة غادرة أفقدت طفلها أحلامه في قضاء الإجازة كما كان يخطط لها، "سعيد راح بأول يوم في الإجازة وكل فرحة قلبي راحت معه".

وفي الرابع عشر من مايو في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، ومع أكثر من ستين شهيدًا ارتقى "سعيد" تاركًا في قلب جده وجعًا لن يندمل يومًا.

البث المباشر