قائمة الموقع

الطلاق .. حلبة صراع ضحيتها الأبناء

2010-08-05T16:13:00+03:00

 

المحكمة الشرعية:توجد أسباب خاصة لا يفصح عنها الزوجان

أخصائي نفسي:عدم التوافق النفسي بين الزوجين أهم أسبابه

أخصائي اجتماعي: الطلاق قضية خطيرة والجيل الجديد أكثر وعيا

الشريعة: الطلاق آخر الحلول للمشاكل الزوجية المستعصية

الرسالة نت - مها شهوان – أحمد الكومي

في زيارة لإحدى المؤسسات الحكومية لفت نظر شابة عشرينية أطلت من خلف مكتبها ومعالم الحزن والأسى بارزة على محياها بالرغم من جمالها الأخاذ ، "الرسالة نت" حينما علمت بحكاية طلاقها آثرت أن تدنو منها لتتعرف على التفاصيل التي أودت بها إلى ذلك الطريق الوعر الذي يكره عبوره أي شخص يقدم على الزواج.

المطلقة نادين قالت:"كان طليقي يأتي بأصدقائه للبيت يقهقهون بصوت عال ومخيف وهم يلعبون القمار،لدرجة أنني كثيرا ما كنت أسمعه يتوعدهم بالفوز بالحلف:"عليَ الطلاق من مرتي لأفوز" ، لكنه كان يخسر باستمرار ويأتي لضربي".

بعد سماع جزء من حكاية نادين آثرت "الرسالة نت" أن تلقى الضوء على قضية الطلاق والحلفان به للتعرف على الدوافع النفسية والاجتماعية التي تؤدي اليه ، بالإضافة إلى العواقب الوخيمة التي يمكن أن تصيب المجتمع على اثرها، إلى جانب التعرف على صيغ وأنواع الطلاق والآليات التي تتبعها المحكمة الشرعية للتفريق بين الزوجين.

الأصفاد الحديدية

وبعد فترة من زواج نادين بات يحذرها زوجها من الذهاب لزيارة أهلها و صديقاتها ، وبحسب رواية نادين أنه في إحدى المرات اكتشف بأنها تهاتف صديقتها حتى جن جنونه ،معتقدا أنها تخبرها عن العلاقة الزوجية التي تجمعهما .

ارتشفت العشرينية قليلا من الماء وعدلت من جلستها وشبكت أصابعها ببعضهما قائلة:"بعدما سمعني أهاتف صديقتي وضعني في غرفة مظلمة وكبل يدي ورجلي بالأصفاد الحديدية،وجعلني اقضي حاجتي في دلو كالسجناء ،وبات يقدم لي الطعام السيئ ويطلب مني أن أتناوله كالحيوانات مكبلة اليدين".

توقفت نادين عن الحديث لبرهة من الوقت واستدارت لتمسح دموعها حتى استطردت قولها مع تنهيدات من حين لآخر:" بعد أسبوعين من انقطاع أخباري استفقدني أهلي واتوا إلي البيت حتى شاهدوني مكبلة فما كان من والدي سوى أن انهال على زوجي بالضرب ومن ثم سارع برفع دعوة قضائية لتطليقي منه حتى حصلت على ذلك ".

فلم تكن وحدها نادين التي عانت من الطلاق فهناك العديد من الفتيات اللواتي حلمن بالاستقرار وبتكوين حياة زوجية هانئة إلا أنها تنتهي بالطلاق لأسباب معلنة وأخرى خفية ، فمن بين الحالات التي التقت بها أثناء سيرها بين أروقة المحكمة الشرعية الشابة "علا.م" - في نهاية عقدها الثاني - أتت مصطحبة أمها وطفلتها الصغيرة بين يديها علها تحكم لها المحكمة بالطلاق بعد زواج دام لتسع سنوات أثمر عن إنجابها أربعة أطفال ، وتجرعت عبر تلك السنوات شتى أنواع العذاب من قبل زوجها مستغلا تواجد أهلها في الخارج.

تراجعت علا عن سرد حكايتها إلا أن والدتها أصرت أن تسرد تفاصيل حكاية ابنتها قائلة:" قبل تسع سنوات أتيت من الإمارات برفقة عائلتي إلى غزة لتزويج ابنتي من ابن عمها الذي كان دائم الاتصال بعمه ليزوجه ابنته حتى تحقق له ذلك "،مضيفة: بعد إتمام مراسيم الزواج غادرنا القطاع وكنت دائمة الاتصال بابنتي للاطمئنان عليها ، لكن بعد مضي ثلاثة شهور من زواجها صارت تشتكي.

تشجعت علا بعدما سمعت والدتها وهي تتحدث حتى قاطعتنا الحديث قائلة:"كان مدمن مخدرات وحينما لا يتواجد معه المال ينهال عليَ بالضرب المبرح لأعطيه ما يرسله لي والدي من مال ، بالإضافة إلى أنني بعت مصاغي الذهبية للإنفاق على البيت"،متابعة:كسر يدي الاثنتين ورجلي وكان يجرني من شعري ويخرجني من البيت أمام الناس فلم يكن يستجب لصراخ أبنائي وتوسلاتهم ليتوقف عن ضربي ".

***** صيغ الطلاق

من جهة أخرى نقلت "الرسالة نت" القضية لـ د. حسن الجوجو رئيس المحكمة الشرعية العليا  في مكتبه ليتحدث عن الحالات التي تقضي فيها المحكمة الحكم بالطلاق قائلا:"الإسلام جعل الطلاق وسيلة لإنهاء الخلافات إذا استنفدت جميع الطرق المؤدية لإنهائها ، بالإضافة إلى أنه في حال اتفق الزوجان على إنهاء العلاقة الزوجية بينهما بالتراضي تقوم المحكمة الشرعية بإنفاذ هذا القرار"،مضيفا أن الزوج يقوم في بعض الأحيان بإنهاء العلاقة من نفسه وذلك من خلال إيقاع الطلاق على زوجته دون علمها وإرادتها فهذا الطلاق يقع من الناحية الشرعية والقانونية .

وأوضح الجوجو أن صيغة الطلاق تكون من قبل الزوج إما صريحة كأن يقول الرجل لزوجته أنت طالق فيقع الطلاق وذلك لا يحتاج إلى نية ، وكذلك قد يكون بصيغة كنائية وهذا يحتاج لمراجعة المطلق ومعرفة قصده وذلك كأن يقول لزوجته "الحقي بأهلك ، أنت برية ، اختاري "، بالإضافة إلى صيغة الحلف بالطلاق والتي تتوقف على نية الحالف إذا كانت نيته طلاقا فيقع الطلاق اما في حال كانت يمينا كالتهديد أو المنع من تصرف معين فيقع يمينا .

وأشار رئيس المحكمة الشرعية العليا إلى أن كفارة يمين الطلاقة الذي يعتبر كحلف باليمين عتق رقبة وإن لم تكن موجودة فإطعام عشرة مساكين وإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام.

ولفت الجوجو إلى وجود أسباب خاصة عند الزوجين لا يفصحان عنها حفاظا على قدسية العلاقة الزوجية فيما بينهما.

وحتى لا تظلم "الرسالة نت" الرجل في تحقيقها ذكر الشيخ الجوجو أن امرأة حضرت وبكل ثقة وجرأة لترفع دعوة قضائية ضد زوجها لتنال الطلاق ، فكانت شاكية باكية بسبب تعدي زوجها عليها ، وما أن تم استدعاء الزوج حسب الأصول وإخباره بأن زوجته تشتكيه حتى أجهش بالبكاء وحينما سئل عن سبب بكائه كشف عن بعض  أجزاء جسمه فقد كان متعرضا لكدمات ولكمات من زوجته، وأوضح أنه عندما ضربها كان يدافع عن نفسه.

وفيما يتعلق بآليات الطلاق التي تتبعها المحكمة الشرعية ذكر أن المحكمة تنفذ ما اتفق عليه الزوجان من طلاق بينهما ، بالإضافة إلى أنه في حال أراد الزوج تطليق زوجته دون علمها فالمحكمة لا تستجيب لطلبه فورا إنما تمهله شهرا كاملا للتفكير في تبعات الطلاق ومن ثم تقوم بالتدخل لحل الخلافات بينه وزوجه وديا عبر دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري الموجود في كل محكمة .

وقال الجوجو :"هناك  طلاق بحكم القاضي وذلك في حالات معينة منها التطليق لعدم الإنفاق ،وكذلك للضرر من الغياب أو السجن ،بالإضافة إلى سوء معاشرة الزوج لزوجته و التطليق للعيوب".

وفي سؤال طرحته "الرسالة نت" حول أنواع الطلاق أجاب الجوجو:" هناك ثلاثة أنواع للطلاق منها الرجعي وهو أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة رجعية بعد الدخول"،مضيفا إلى أنه في هذه الحالة يستطيع الزوج إرجاع زوجته لعصمته أثناء العدة الشرعية. و الطلاق البائن والذي يندرج تحته طلاق البينونة الصغرى ويكون قبل الدخول وبعده إذا اتفق الطرفان على الإبراء،وكذلك البينونة الكبرى وتكون إذا طلق الزوج زوجته ثلاث طلقات متفرقات فلا تحل له حتى تنكح زوجا آخر.

عدم التوافق النفسي

ومن بين الحكايا التي جمعتها "الرسالة نت"  حكاية الثلاثينية هاجر عبد الحكيم فمن يستمع إليها ينتابه الضحك لطرافتها فشر البلية ما يضحك .

هاجر التي لم تمانع من سرد تفاصيل روايتها مع طليقها قالت:" منذ بداية زواجي عانيت كثيرا من بخل زوجي ، بالإضافة إلى سوء معاملته لي, فكان يضربني حتى اطرح أرضا من شدة الضرب والتعذيب"، مشيرة إلى أنه بعد سنتين من زواجهما بات يدرك بان الحياة ستكون مستحيلة إلا أنه أبقاها على ذمته ليعذبها أكثر.

وأضافت هاجر بكلمات تعتصر قلبها :" لم يكتف بذلك بل بات يسجل أي شيء يصرفه علي في دفتر لدرجة أنه كان يسجل لي قطعة الشوكولاته واللبان حينما اشتريهما "،معربة عن أنها أصيبت بالخجل حينما أخرج دفتره أمام القاضي في المحكمة .

ومن الناحية النفسية تحدث أستاذ علم النفس بالجامعة الإسلامية محمد الحلو عن الدوافع النفسية التي تدفع الرجل للحلف بالطلاق, حيث ذكر منها عدم التوافق النفسي بين الزوجين من ناحية نفسية وتفكيرية وعدم الانسجام الروحي والعاطفي ، إلى جانب الشك لأتفه الأسباب دون مبرر أو دليل و الغيرة المرضية من قبل الزوج على زوجته.

وبحسب الحلو فان الاستعلاء على الآخر ونظرة الرجال الدونية لزوجاتهم لاسيما لو كان متعلما أو غنيا فذلك يؤول للطلاق،بالإضافة إلى ضعف ثقة الزوج بنفسه وعدم الشعور بالأمن النفسي من المستقبل لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها مجتمعنا الغزي،مؤكدا على أن الرجل الكاذب هو من يكثر الحلف بالطلاق ويتخذ منه سبيلا لإظهار نفسه .

وحول الآثار النفسية التي تقع على الزوجة في حالة تكرار الزوج حلف الطلاق قال:"يؤثر على الزوجة ويجعلها تعيش وسط أجواء من القلق والخوف والتوتر الذي سينعكس على زوجها "،لافتا إلى أن الأمراض النفسية التي يمكن أن تقع على المرأة ستتحول إلى أمراض جسمية .

أما بالنسبة لمدى تأثيره على الأبناء أضاف الحلو:"من شاب على شيء شاب عليه فالطفل يقتدي بوالده ويكتسب منه الألفاظ "،مبينا أن الأطفال حينما يرون أمهم تعاني حالة نفسية سيؤثر ذلك على أطباعهم وسلوكهم ويجعلهم قلقين باستمرار.

وتابع:"لابد للمرأة أن يكون لها دور فعال في امتثال الخلق الطيب لتعديل سلوك زوجها من خلال نصحه والابتعاد عنه حينما يغضب، إلى جانب العمل على تغيير ملامح شخصيته من خلال إبعاد رفقاء السوء عنه".

التنشئة الاجتماعية

ومن جهة أخرى أكد د.وليد شبير رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية "للرسالة نت" على أن  الطلاق ظاهرة اجتماعية غير محببة ، لأنه يجلب العديد من المشكلات خاصّة على الأسرة التي فيها أطفال لم يبلغوا سن الرشد بعد.

وعن الأسباب الاجتماعية التي تؤول إلى الطلاق أو الحلفان به قال شبير:"سوء التنشئة الاجتماعية وقلة الوعي الثقافي لدى الأفراد وعدم وجود رادع من قبل الآخرين ،والتقليد الأعمى والتأثر بالغير "،مشيرا إلى أن الحلف بالطلاق يرجع أيضا إلى تعود اللسان على الحلف به وحب الظهور والتفاخر بالنفس لإثبات الوجود.

وفيما يتعلق بمدى تأثير الحلف بالطلاق على المجتمع أوضح أن من تعوَّد على الحلف بالطلاق كذباً يريد للمجتمع الإنساني أن يتحول إلى مجتمع بهيمي غير منضبط بأية علاقات منتظمة .

وأكد أن الحلف بالطلاق استهتار بالحياة الاجتماعية ودعوة إلى فقدان الثقة بين الناس من خلال القضاء على كل الخطوط الحمراء التي تعتبر سياجاً لحماية المجتمع لاسيما بين المقدسات .

ولفت شبير إلى أن ظاهرة الحلف بالطلاق في طريقها للزوال خاصة بين المتدينين الأكثر حرصاً على عدم الحلف بالله كذباً والأكثر احتراماً للعلاقة الزوجية وتقديسا لها ،معتبرا أن الجيل الجديد أكثر وعياً من سابقه .

وعن الحد من مشكلة الحلف بالطلاق دعا إلى ضرورة تنمية الوازع الديني والإيماني، واستخدام وسائل الإعلام من أجل تثقيف الشباب وتوضيح مخاطر الطلاق، بالإضافة إلى توجيه الشباب من خلال أئمة المساجد ، مطالبا  في الوقت ذاته الأهالي بمعاقبة أبنائهم الذين اعتادوا على الحلف بالطلاق.

انحرافات وشذوذ بالسلوك

"عليَ الطلاق من مرتي لتلعب أنت" كان لتلك الجملة بالغ الأثر على حياة حنان حينما علمت من رجال الدين بأنها طالق من زوجها مرتين بحكم تكرار حلفه يمين الطلاق أثناء لعبه مع أصدقائه مما أصابها الحزن الشديد جراء ذلك.

تقول حنان والريبة و الشك يطاردنها خشية أن تكون محرمة على زوجها:" اشعر بالقلق الدائم خشية أن أكون مطلقة بالثلاثة دون رجعة  ، فقد بت اخشى أن يخرج من فم زوجي يمين الطلاق "،مضيفة والخجل يكسو وجهها :أشعر بالحرج أمام الآخرين حينما يردد مثل تلك الأيمان، و أحس وكأن لا معنى لوجودي معه .

بعد طرح عدد من الحكايا الواقعية التي روتها "الرسالة نت" لنائب عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د.ماهر السوسي حتى أوضح أن العلاقة الزوجية الصحيحة تبنى علي المودة والرحمة ،بالإضافة إلى مجموعة من المشاعر المشتركة المتمثلة بالحب والود والرحمة والسكن ،مؤكدا على أن تلك المشاعر كفيلة بتحقيق الاستقرار للحياة الزوجية .

وأرجع السوسي إلى أن قلة الوازع الديني تؤول إلى الطلاق ، إلى جانب عدم خشية الزوج من الله لاسيما الذين يكثرون الحلف بالطلاق ، موضحا أن من يكثر الحلف بالطلاق يجهل تعاليم وأحكام الدين الإسلامي.

وبين أن سوء التربية ورفقاء السوء لهم دور في ترديد الزوج للحلف بالطلاق ، وكذلك ضعف الشخصية حينما يحلف الزوج على زوجته ليخيفها بالطلاق، لافتا إلى أن القدوة لها دور أيضا وذلك كأن يرى الابن أباه يحلف بالطلاق فانه سيكتسب ذلك منه ويعتاد على ذلك الحلف.

وفيما يختص بالحالات التي يوجب بها الحلف بالطلاق قال السوسي:" لا يوجد ما يستدعي الحلف بالطلاق لأنه بذاته آخر الحلول للمشاكل الزوجية المستعصية".

ودعا السوسي عبر "الرسالة نت" إلى العمل على التربية والتنشئة الصحيحة واتخاذ القدوة والحسنة ، مطالبا بضرورة معالجة الأسباب النفسية والاجتماعية ونشر ثقافة الأحوال الشخصية كالأسرية والشخصية للحد من انتشار مثل تلك الحالات للمحافظة على المجتمع المسلم.

وفي حال ارتقت تلك الحالات الى ظاهرة ستؤرق قضية الطلاق والحلفان به العديد من النساء و تؤثر على الأطفال وتشتت المجتمع.

اخبار ذات صلة