طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

مكتوب: صفقة القرن: ما وراء مفهوم السيادة الناقصة

صفقة القرن
صفقة القرن

كتب: د. صالح النعامي

في حال أعلنت الإدارة الأمريكية بالفعل عن مشروعها لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يطلق عليه "صفقة القرن" في الخامس عشر من يونيو القادم، فإنه من غير المرجح أن يسفر هذا الإعلان عن مفاجآت كبيرة تتجاوز ما تضمنته التسريبات حول بنود الصفقة العتيدة، والتي نسبت في الآونة الأخيرة لجهات أمريكية وفلسطينية و(إسرائيلية).

وسيكون في حكم المؤكد أن بنود "الصفقة" ستمثل عملياً وصفة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية وستتطابق إلى حد كبير مع المنطلقات الأيدلوجية التي تحتكم إليها حكومة اليمين المتطرف في (تل أبيب).

إن الولوج إلى هذا الاستنتاج لا يتسنى فقط بالعودة إلى التسريبات غير الرسمية بشأن بنود الصفقة، بل إن ما يعزز واقعية هذا الحكم أيضا هي تلك المواقف، التي تتعلق بكيفية حل القضايا الرئيسة التي تشكل الصراع.

ونحن سنعرض لمقاربة الصفقة لقضايا الحل النهائي:

القدس: تتبنى الصفقة بشكل عام الموقف الإسرائيلي الذي يصر على إخراج المدينة من دائرة التفاوض والرافض لإعادة تقسيمها. وفي المقابل، تقترح الصفقة أن يتم الإعلان عن عاصمة الدولة الفلسطينية في البلدات المحيطة بالقدس: أبو ديس، شعفاط، العيسوية. وحسب تسريب آخر، تقترح الصفقة حي "جبل المكبر" لهذه البلدات. ومن الواضح أن سلخ هذه المناطق عن القدس يهدف أيضا إلى تخليص (إسرائيل) من "العبء" الديموغرافي الذي يمثله الفلسطينيون القاطنون في المنطقة، ناهيك عن أنه يحسن من قدرة (تل أبيب) في مواجهة التحديات الأمنية.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن القدس لم تعد على طاولة التفاوض. في حين أن جارد كوشنر، كبير مستشاري ترامب وصهره قد ذهب أبعد من ذلك، عندما أعلن خلال كلمته في احتفال نقل السفارة الأمريكية الأسبوع الماضي بأن (إسرائيل) هي صاحبة الوصاية الوحيدة على القدس. ويمكن أن يمثل هذا التصريح تمهيدا لتجريد الأردن من الحق في الوصاية على الأماكن المقدسة في المدينة.

حق العودة اللاجئين: لا حديث عن عودة اللاجئين إلى الأراضي التي شردوا منها، وتقترح الخطة بحث تدشين مشاريع لتوطين اللاجئين في المناطق التي يتواجدون فيها حاليا.

المستوطنات والسيادة والأرض والحدود: على الرغم من أن الخطة الأمريكية تعرض هذه المركبات في بنود منفصلة، إلا أنه عند استقراء هذه البنود سوية يتبين خطورة دور الصفقة في تصفية القضية الفلسطينية.

وتنص الصفقة على بقاء جميع المستوطنات اليهودية القائمة في الضفة الغربية إلى جانب إبقاء الحدود مع الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية المطلقة. في حين تشير تسريبات عريقات إلى أن الخطة تنص على ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى لـ(إسرائيل).

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن للصفقة أن توفق بين ضم التجمعات الاستيطانية، التي تشكل 10% من مساحة الضفة لـ(إسرائيل)، وفي الوقت ذاته تنص على بقاء جميع المستوطنات، وضمنها العشرات من المستوطنات النائية التي تنتشر على طول الضفة الغربية وعرضها؟

هذا السؤال أجاب عليه نتنياهو بشكل غير مباشر عندما أشاد بـ "إبداع" فريق ترامب المسؤول عن بلورة صفقة القرن، وتحديدا بسبب تصميمهم فكرة الدولة الفلسطينية العتيدة لتكون دولة ذات "سيادة منقوصة.. ومن أهم مظاهر السيادة المنقوصة هو أن تظل المستوطنات اليهودية النائية المنتشرة على أرض الدولة الفلسطينية ضمن السيادة الإسرائيلية.

قطاع غزة: على الرغم من كثرة التسريبات المتعلقة بصفقة القرن، إلا أن هناك غموض واضح بشأن مستقبل الأوضاع في قطاع غزة، حيث أن الأمريكيين يعمدون إلى عدم الإفصاح عن مستقبل الأوضاع في قطاع غزة في ظل الصفقة، وذلك بسبب حساسية القضية لأطراف إقليمية.

لكن عند إمعان النظر في بعض التحركات والتصريحات التي رافقت الجدل حول صفقة القرن، فأنه يلاحظ أن وسائل إعلام إسرائيلية وغربية أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية ونظام الرئيس عبد الفتاح السيسي و(إسرائيل) تدرس فكرة تدشين ميناء ومطار في العريش، شماء سيناء لخدمة الدولة الفلسطينية العتيدة.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار عددا من التصريحات الرسمية التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين، والتي تتحدث عن اقتطاع جزء من مساحة شمال سيناء وضمه لقطاع غزة لكي يكون القطاع هو عصب "الدولة الفلسطينية"؛ فإن هذا قد يؤشر إلى أن كلا من المطار والميناء في العريش سيكونان ضم نطاق "الدولة الفلسطينية"، التي سيكون قطاع غزة مركز ثقلها.

ويتضح مما تقدم أنه في حال تم السماح بتطبيق هذه البنود، فإنها ستفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية بالضربة القاضية وتمكن (إسرائيل) من الانفراد بشكل نهائي بالقدس والضفة الغربية.

البث المباشر